إحدى عشرة سنة من الصمت…

مقالات/خالد الياس رفو
إبادة بلا عدالة ودماء لم تجف وعدالة لم تأتِ، نحن نصرخ من شنكال في وجه ذاكرة العالم ونقول:
نرفض أن نُباد بصمت ونرفض استمرار الإبادة وندين صمت الحكومات وتخاذل العالم تجاهنا.
يا شنكال، أنتِ جرح وطن ومأساة شعب وفضيحة العالم.
الشعب الإيزيدي، بعد إحدى عشرة سنة من الانتظار على أبواب العدالة، ما زال يصطدم بعدالة مؤجَّلة، عدالة لم تتحقق وقد أصبحت وصمة عار على جبين البشرية.
في الثالث من آب/أغسطس عام 2014 ارتكب تنظيم داعش الإرهابي واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث، حين شنَّ هجوماً وحشياً على قضاء شنكال ومحيطه مستهدفاً الشعب الإيزيدي بجرائم إبادة جماعية ممنهجة شملت القتل الجماعي والاستعباد الجنسي والاختطاف والتهجير وتدمير البنية المجتمعية والثقافية لهذا المكوّن الأصيل.
اليوم ونحن نحيي الذكرى الحادية عشرة لهذه الفاجعة الإنسانية الكبرى، نقف لا لنبكي فقط على أطلال الذاكرة بل لنحمِّل المسؤولية لكل من تخاذل عن إنصاف الضحايا ولكل من عجز عن حماية ما تبقى من هذا الشعب المنكوب.
نقف لنسائل الحكومات والمؤسسات عن تقصيرهم المستمر والمخزي تجاه العدالة والكرامة وحقوق الشعب الإيزيدي.
لقد أثبتت السنوات التي تلت الإبادة أن حكومتي بغداد وأربيل تتعاملان مع قضية الإيزيديين بمنتهى الاستخفاف واللامبالاة.
لم تقدّم أيٌّ من الحكومتين خطةً جدّية أو متكاملة لإعادة الإعمار أو لضمان الأمن أو لتوفير العدالة للضحايا.
ما زالت غالبية الناجين والناجيات يعيشون في مخيمات تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الكرامة الإنسانية في حين يُترَك مصير شنكال ومعاناة الإيزيديين رهينةً للصفقات السياسية والمساومات الحزبية.
أما الأمم المتحدة ومؤسساتها التي يُفترض أن تكون الضامن الأول للعدالة وحقوق الإنسان فقد اختارت أن تكون شاهدة صامتة على هذا الإهمال المزمن.
تصريحاتها المتكررة لم تترجم إلى أفعال وبرامجها لم تلامس جوهر المأساة ولم تُسهم في تفكيك آثار الإبادة أو منع تكرارها.
إننا في هذا السياق نحمل المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الدول العظمى والاتحاد الأوروبي المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية عن الفشل الذريع في تحقيق العدالة الانتقالية للشعب الإيزيدي.
إن تجاهل هذه الدول لمعاناة الإيزيديين وغياب أي خطوات حقيقية نحو محاسبة الجناة وتعويض المتضررين وإعادة إعمار المناطق المدمَّرة لا يمكن اعتباره تقصيراً فحسب بل هو شكل من أشكال التواطؤ السلبي الذي يُسهم في استمرار الألم والظلم واللاعدالة.
فالسكوت عن الجريمة بعد وقوعها هو مشاركة في إدامتها.
إن واحدة من أخطر مظاهر التمييز الممنهج ضد الأقليات في العراق وفي مقدمتهم الشعب الإيزيدي تتمثل في غياب الاعتراف الحقيقي بحقوقهم في الدستور العراقي وافتقار الدولة إلى قوانين رادعة تحميهم من الجرائم العنصرية والطائفية وتمنع تكرار المذابح والإبادات الجماعية.
فحتى بعد مرور إحدى عشرة سنة على كارثة شنكال لا يزال الإطار القانوني العراقي عاجزاً عن توفير أبسط الضمانات للبقاء والمشاركة السياسية والحماية الأمنية والعدالة الجنائية.
وهذا الفراغ القانوني والسياسي لا يُعدّ مجرد إهمال بل هو تهديد مباشر لاستمرار وجود هذه المكوّنات في وطنها التاريخي.
إننا في هذه الذكرى نؤكد مجدداً أن قضية الشعب الإيزيدي ليست مأساة عابرة أو صفحة من الماضي بل جرح مفتوح في ضمير الإنسانية.
إن استمرار تجاهل هذه القضية من قبل الحكومات المحلية في ( بغداد و اربيل ) والمؤسسات الدولية هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة وإهانة لكرامة الضحايا وللقيم التي يُفترض أن تحكم عالماً يدّعي احترام الإنسان وحقوقه.
نطالب بتحقيق دولي مستقل وشفاف في كل ما جرى وبمحاسبة جميع الجناة سواء كانوا من عناصر داعش أو ممن تواطأ معهم أو ممن تقاعس عن أداء الواجب وحمايتنا.
نطالب بضمانات دولية لحماية الوجود الإيزيدي على أرضه وإعادة إعمار مناطقه واسترجاع حقوقه المسلوبة والاعتراف الكامل بالإبادة كجريمة ضد الإنسانية.
لن نصمت… لن ننسى… سنواصل المطالبة بحقوقنا وفضح كل من خذلنا حتى يتحقق الحد الأدنى من العدالة.
المجد للضحايا… الكرامة للناجين… والخزي لكل من خذلنا.