الأدب نبض الحوار وروح الأمل

ليلى سرحان
في عالم يموج بالصراعات وتتنازع فيه الأصوات والمواقف يبقى الأدب هو الفضاء الأجمل الذي تلتقي فيه الأرواح قبل العقول وتتصافح فيه القلوب قبل الأيدي فهو ليس ترفا لغويا ولا خيالا عابرا بل جوهر إنساني يعيد للإنسان ذاته وللحياة معناها وللأمل جذوته
أولا الأدب مرآة الحوار الإنساني
منذ أن نقش الإنسان أول قصة على جدار كهفه كان الأدب وسيلته للتعبير عن ذاته وفهم الآخر ومشاركة الهم الإنساني معه فكل قصيدة هي باب نحو الإصغاء وكل رواية هي رحلة لرؤية العالم من زاوية مختلفة
الأديب لا يخشى الاختلاف بل يراه ثراء للحياة ويجعل من التنوع لوحة من الجمال والمعرفة فهو يكتب ليوحّد لا ليفرّق ويعبّر ليفهم لا ليدين
وفي الأدب تتجلّى لغة العقل والجمال إذ يعلّمنا كيف نحاور دون خصام وكيف نختلف دون كراهية وكيف نصغي دون خوف من الحقيقة
ثانيا الكلمة التي تبعث الأمل
حين تضيق الأرض بالناس ويثقل الحزن قلوبهم يطل الأدب كنافذة على النور فالكلمة الصادقة تبعث الحياة في الروح المتعبة وتمنح الإنسان قدرة على النهوض من جديد
في كل عصر مظلم كان هناك من يكتب لينير الدرب فالمتنبي غنّى للعزيمة وطه حسين كتب للأمل وجبران أطلق نداء الحياة في وجوه الألم
الأدب لا يتجاهل الجراح لكنه يحوّلها إلى بصيرة ويجعل من الألم طاقة ومن الهزيمة درسا ومن اليأس ولادة جديدة للجمال
ثالثا الأدب في زمن الصخب
في زمن تضيع فيه الحقيقة بين الأصوات العالية يذكّرنا الأدب بأن الكلمة رسالة ومسؤولية فهو يزرع في القلوب الحكمة ويعيد للكلمة هيبتها وقدرتها على البناء لا الهدم
وعندما يصبح الأدب جزءا من التعليم والتربية ينشأ جيل يملك ذوقا راقيا وروحا متسامحة وعقلا قادرا على الحوار والفهم
أما الأدباء في عصرنا فهم حراس الوعي وصوت الضمير الإنساني يسعون إلى التوازن بين التقدم المادي والصفاء الروحي ويجعلون من الحرف وسيلة للتنوير والإصلاح
رابعا رسالة الأدب إلى الإنسانية
الأدب الحقيقي لا يعرف حدودا ولا يقف عند لغة واحدة بل يسكن في قلب الإنسان أينما كان فهو دعوة إلى المحبة ورسالة إلى السلام وتذكير دائم بأن الرحمة أسمى من القوة وأن الإنسان هو القيمة الكبرى في هذا الكون
وحين تضعف العدالة وتضيع الأصوات العاقلة يظهر الأدب كصوت للضمير يذكّرنا بأن الكلمة أقدر من السلاح وأن الجمال أبقى من العنف
الخاتمة
يبقى الأدب هو الحارس الأمين لإنسانيتنا والمرآة الصافية التي يرى فيها الإنسان ذاته إنه الضوء الذي يخترق ليل الخلافات والماء الذي يغسل أدران الكراهية
فما دامت الكتب تُقرأ والقصائد تُكتب والأقلام تؤمن بقدرتها على التغيير فإن الأمل سيظل حيّا والحوار سيبقى طريق النجاة
إن الأمة التي تكرم الكلمة وتوقّر الأدب هي أمة تعرف أن القلم وحده قادر على أن يبني إنسانا جديدا يرى في الحوار حياة وفي الأمل خلاصا
.