التناحر غير الإيزيدي على مقعد كوتا الإيزيدية… بأدوات إيزيدية

مقالات / حيدر رشو
منذ الإبادة الجماعية التي حلت بالإيزيديين في عام 2014، والتي شكّلت واحدة من أبشع صور الجرائم الجماعية في العصر الحديث، لا يزال هذا المكوّن الأصيل يرزح تحت وطأة جراحه المفتوحة: تهجير، فقدان، تهميش سياسي، وإقصاء ممنهج.
في ظل هذا الواقع المعقّد، كان من المفترض أن يمثّل مقعد الكوتا البرلماني الخاص بالإيزيديين بصيص أمل، وقناةً لضمان صوت مستقل يعكس هموم هذا المكوّن، وينقل تطلعاته الوطنية إلى ساحات القرار.
لكن المفارقة المؤلمة اليوم، أن هذا المقعد تحوّل إلى ساحة صراع خارجي تُخاض بأدوات داخلية، وأن التناحر عليه لم يعد إيزيديًا ـ إيزيديًا، بل تناحرًا غير إيزيدي يُمارس بأسماء إيزيدية.
أطراف الصراع
أحزاب سياسية تمثل قوى شيعية، كردية، مسيحية، وحتى سنية أيضًا، تتنافس على بسط نفوذها على هذا المقعد، لا بدافع الحرص على الإيزيديين، بل لاستخدامه كأداة نفوذ إضافية في لعبة التوازنات السياسية.
ولأن الكوتا تفترض أن يُشغلها فرد من المكوّن نفسه، فقد لجأت هذه الأطراف إلى الدفع بشخصيات إيزيدية موالية لها، منصاعة لأجنداتها، لا تمثل جوهر الإرادة الشعبية الإيزيدية، بل تعبّر عن مصالح الجهات التي موّلتها، وأوصلتها، وتدير قراراتها من خلف الستار.
تمثيل بلا تمثيل
هذا الواقع يخلق مفارقة خطيرة: أن تتحوّل أدوات الإقصاء نفسها إلى “إيزيدية الشكل”، بينما تبقى بعيدة كل البعد عن تمثيل الصوت الإيزيدي الحقيقي.
وبدل أن يكون هذا المقعد صوتًا نابعًا من رحم الإبادة والمعاناة، صار غطاءً شرعيًا تُدار من خلاله مشاريع الآخرين، وبأسماء محسوبة ظلمًا على الإيزيديين.
خطر الانقسام الداخلي
الأخطر من كل ذلك، أن هذه الصراعات تُحدث شرخًا داخليًا في النسيج الإيزيدي، وتغذّي انقسامات غير طبيعية بين من يُنظر إليهم كـ”مرشحين للآخرين” و”ممثلي الداخل الحر”.
ومع مرور الوقت، تصبح القضية الإيزيدية ساحة مفتوحة للاستثمار السياسي، فيما يفقد المجتمع الإيزيدي عنصره الأهم: وحدة الصف، واستقلالية القرار.
نحو موقف واضح
المطلوب اليوم موقف حاسم وواضح من القيادات المجتمعية، والناشطين، ورجال الدين، ومنظمات المجتمع المدني الإيزيدية، لحماية مقعدهم من الاستحواذ، ورفض التمثيل الزائف الذي لا ينبع من القاعدة الشعبية.
السكوت على هذا الواقع هو تفريط بآخر ما تبقّى من أدوات الحضور السياسي للإيزيديين، وفتح الباب أمام المزيد من العزلة والإقصاء.
كما ينبغي على الدولة ومفوضية الانتخابات أن تعيد النظر في آليات الترشيح ضمن الكوتا، بما يضمن الحد الأدنى من التمثيل الذاتي الحقيقي، لا الشكلاني.