الحساب والتقويم في أربعينية الصيف عند الديانة الإيزيدية: قراءة فلكية ودينية

مقالات / حيدر عربو اليوسفاني
تُعدّ أربعينية الصيف من أبرز المحطات الزمنية والروحية في الديانة الإيزيدية، حيث ترتبط بحدث فلكي رئيسي هو “الانقلاب الصيفي”. يُعالج هذا البحث العلاقة بين الحساب الفلكي وتقويم الطقوس الدينية لدى الإيزيديين، مع تحليل دقيق لبداية ونهاية صوم الأربعينية الصيفية، وربطها بالدورة المدارية لكوكب الأرض. كما يُناقش البحث أهمية التزام الديانة الإيزيدية بالتقويم الشمسي، ويقترح معايير لتحديث وضبط هذا التقويم وفق المستجدات العلمية الفلكية.
مقدمة
يشهد النصف الشمالي من الكرة الأرضية في 21 حزيران من كل عام ظاهرة الانقلاب الصيفي، والتي تُعد ذروة فصل الصيف فلكيًا، حيث تصل الشمس إلى أقصى انحراف شمالي لها، متعامدة على مدار السرطان (23.44° شمالاً). ويمثل هذا الحدث أطول نهار وأقصر ليل خلال السنة. تقابل هذه الظاهرة في النصف الجنوبي للكرة الأرضية بداية فصل الشتاء، بأطول ليل وأقصر نهار.
الديانة الإيزيدية، كديانة ذات جذور كونية ومرتبطة بالطبيعة والنجوم، أولت اهتمامًا كبيرًا لهذه التغيرات الفلكية، لا سيما في ما يُعرف بـ”مربعانية الصيف” أو “أربعينية الصيف”، التي تُعدّ موسمًا للصوم والتأمل الروحي، مرتبطًا بدقة بحركة الشمس والتقويم الزمني.
أولاً: أربعينية الصيف والانقلاب الصيفي
يعتمد التقويم الإيزيدي على الحسابات الشمسية القديمة، والتي تتقاطع في كثير من الأحيان مع الظواهر الفلكية المعروفة حاليًا. وقد بدأ الانقلاب الصيفي لعام 2024 يوم الجمعة الموافق 21/6/2024، ما يُفترض أن يكون البداية الفعلية لأربعينية الصيف.
غير أن صوم الأربعينية بدأ فعليًا في 24/6/2024، وهو ما يعكس تقليدًا دينيًا يجعل بداية الأربعينية في اليوم التالي للانقلاب، حين يُعتقد أن الشمس تبدأ دورتها التراجعية نحو الشتاء، بحسب التفسير الإيزيدي. ويُعبَّر عن هذه الحركة في النصوص الدينية بـ”توجيه الشمس وجهتها نحو الشتاء”، وهي دلالة رمزية على التحول الموسمي الطبيعي.
ثانياً: الحساب الزمني للأربعينية
تستمر أربعينية الصيف لمدة أربعين يومًا كاملة، ويتبعها عيد الأربعينية، الذي يُحتفل به في اليوم الحادي والأربعين. وتأتي أربعينية الشتاء بعد مرور (180) درجة على مدار الأرض، أي بعد (142) يومًا من نهاية أربعينية الصيف.
ينقسم التقويم الإيزيدي إلى تسعة أجزاء وفق تقسيم الأربعين يومًا، اثنان منها لأربعينيتي الصيف والشتاء، والسبعة الباقية (7 × 40 = 280) تفصل بين الفترتين، يضاف إليها أربعة أيام تتعلق بالمواقع الفلكية (الانقلابين والاعتدالين)، فيصبح المجموع (284) يومًا بين الأربعينيتين. هذا التقسيم يعكس نظامًا حسابيًا دقيقًا يقوم على التوازن بين الفلك والمناخ والطقوس الدينية.
ثالثاً: البعد الفلكي والديني
تُعدّ ظاهرتا الانقلاب الصيفي والشتوي من المحطات الفلكية الكبرى التي اعتمدها الإنسان القديم في ضبط تقويماته، ولا سيما لدى الشعوب ذات الطابع الزراعي والروحي كالإيزيديين. ففي هذا السياق، تُوظّف الظاهرة الكونية في التعبير عن التحولات الروحية والزمنية.
الربط بين الموقع الفلكي والانطلاق الطقسي يُعتبر لدى الإيزيديين جزءاً من الإرث الديني غير القابل للتغيير، لأن التلاعب بالمواعيد دون إدراك لمعانيها الفلكية يُضعف قيمة الطقس ومعناه الرمزي العميق.
رابعاً: نحو تقويم شمسي دقيق
نظراً لتطور العلوم الفلكية في العصر الحديث، يقترح هذا البحث ضرورة مراجعة التقويم الإيزيدي ومقارنته بالتقاويم الشمسية الأخرى (كالتقويم الميلادي والقبطي والبهائي)، وضبط بداية أربعينيتي الصيف والشتاء استنادًا إلى يوم ما بعد الانقلابين الصيفي والشتوي مباشرة، للحفاظ على الدقة الرمزية والفلكية للطقوس.
كما يُوصى بأن يتبنى المجلس الروحاني الإيزيدي لجنة فلكية مختصة لتوحيد الحسابات الزمنية والتقويمية، بما ينسجم مع الموروث الديني والتقدم العلمي معًا.
خاتمة
تُظهر العلاقة بين الحساب الفلكي وصوم الأربعينية الصيفية لدى الإيزيديين عمقًا معرفيًا روحيًا وحسابيًا يدل على إدراك حضاري مبكر لدورات الطبيعة وحركة الكواكب. إن تثبيت بداية الأربعينيات بعد يوم واحد من الانقلابين الصيفي والشتوي، يمثل انسجامًا تامًا بين الطبيعة والإيمان، وهو ما ينبغي الحفاظ عليه وتعزيزه علميًا في تقويم إيزيدي محدث ومضبوط بدقة.