“المتربي “تسميتهم ، نشأتهم ، وظائفهم الدينية و الدنيوية

حيدر عربو اليوسفاني

مقدمة لابد منها
لا تحتوي الكتب و المؤلفات الباحثين على معلومات وافية و دقيقة عن عشيرة “متربيا” و نمط حياتهم اليومية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية ،الا أنه بالرغم من ذلك استطعت ان اجمع بعض المعلومات عن تلك العشيرة من خلال احاديث التي ورد لدى بعض منهم نبين لنا بأنهم من العشائر الايزيدية القديمة في جبل شنكال .
و بعيدا كل البعد عن الحقد و الكراهية و اكثريتهم يشغلون بالزراعة في موسم الزراعي و يبحثون على معيشتهم اليومية و مصدر رزقهم و لا يتدخلون باشياء بما لا يعينهم .
وهي من العشائر الايزيدية القديمة في جبل شنكال تحديداً في “شمالا جوانا ” انهم جاءوا مع الولي الشيخ شرف الدين بن شيخ حسن (ع) ، حوالي سنة 1227 الميلادي ،لم يبقَ منهم الا افراد قليلون مقارنة مع العشائر الاخرى في جبل شنكال وهم متفرقون لا وحدة لهم بسبب تكرار الحملات و الفرمانات عليهم ؛كما على مر عشر اجيال كان جد العشيرة لا يرزق الا بولد واحد وهو يكون رئيس العائلة و هذا ايضاً سبباً لنقص اعدادهم في المنطقة .
وكان اول منطقة سكنوا فيها هي عشيرة “طرف” في بداية الامر ،التي تقع في شمال غرب قرية راشد .و خان مزلا شرفدين كان اول مسكن لهم ،و للعلم اول محطة “قوناغ” طاووس شيخادي في شمالا جوانا ،كانوا القوالون يزورون اول منطقة الى خانة ،و عاشوا فيها فترة من الزمن الى جانب عدد من العشائر الايزيدية منها (عمرا،مسقورا ، جودكا ) .
و عندما غادر الولي شرف الدين (ع) جبل شنكال ؛ترك خلفه عدداً من الرموز و نياشين عند عشيرة متربيا مثل (خادم ، خان مه زه ل ، شه ربك ، قبة شرفدين ، قبه افدل ) للعلم مزار افدل يوجد حوله مقبرة على اسم احد ابناء العشيرة قديماً . ان افدل مهمدا الجد الاعلى للعشيرة ،هو استلم منصب الشرع بعد مغادرة الولي شرف الدين المنطقة . للعلم ان اسم العشيرة جاءت تسميتها من قول و حديث الولي شرف الدين اي تعني تربية القوم و ارشادهم على نهجه ، لذلك وكلت الولي شرف الدين تلك العشيرة بمكانته وكيلاً على القوم لحين قدومه .
ان عشيرة متربيا بدورهم تتفرغ الى ثلاث افخاذ رئيسية منها :
1- مالا قاسم اغا
2- مالا بابير صالح اغا
3- خدر يوسف اغا .
و يرأس العشيرة حالياً “اسماعيل صالح اغا”
ومن مناطق سكناهم في جبل شنكال :
(مجمع بورك ، مجمع دوهلا ، مجمع تل قصب ، مركز قضاء شنكال ، قرية طرف ) و بعض العوائل يعيشون حالياً بالقرب من مزار ايزي في قرية علدينا .

ان عشيرة متربيا متولون لبعض العتبات والاماكن المقدسة في جبل شنكال منها :

1-مزار ايزي : متولو المزار عائلة من عشيرة المتربية من مجمع بورك تقوم بالخدمة هذا المزار طيلة ايام السنة ، يقع هذا المزار في منطقة وعرة في اعلى قرية علدينا في الجهة الشمالية من جبل شنكال , في البداية كان عبارة عن خربة (هجره- سلافكه ها ) , اي ليست قبة في بداية الامر اي كان الموقع رمز مقدس منذ سنة 1247الميلادي , وفي عام 1999 وبأمر من السيد ( قاسم سمير )احد وجهاء عشيرة بيت الخالد و بخيرات الايزيدية قاموا بتعمير تلك الجهة و عمل عليها قباً عالياً, من 25 ايلول 1999 و استمر الى يوم 22 تشرين الاول من العام نفسه , و عمل ايضاً على ايصال طرق السيارات اليه , بعد ان كان الوصول اليه فقط عن طريق المشي لوعورة المنطقة , و منذ ذلك الوقت و سنوياً بعد طوافة بير هاجالي باسبوع , يطوفون الاف من اهالي المنطقة جماعية هذا المزار . وان مراسيم و طقوس هذة الطوافة لا تختلف عن الطوافات الاخرى التي يقام سنوياً للمزارات في قرى اخرى من جبل شنكال . كما يوجد بالقرب من المزار حجر معلق هو عبارة عن حجر ضخم الجزء الاكبر منه في الهواء يستند الى جزء صغير مدفون في الارض , لهذا يسمون الحجر المعلق .
و تؤكد النصوص الدينية الايزيدية ان(ايزي) هو اسم من اسماء الله , وهو الاله الذي خلق الملائكة و الكون و البشرية و جميع المخلوقات , كما مبين في النص الديني التالي :
سلطان ايزي هو الاله
سمي بالف اسم و اسم
و الاسم الاعظم هو الله
2- خان مزلا شرفدين : عبارة عن خانة تقع في قرية تيرف جنوب غرب مزار شرفدين , و لهذه الخانة قدسية عند افراد قبيلة جوانا , و غالباً ما يقسمون بها , لانها كانت منزلاً لشرفدين عندما كان اميراً لمنطقة شنكال , و كان يجتمع مع اهله في هذا الخان و الامور العامة و الصلح بين الناس , و سابقاً كان تحديد المهر (مه هربرين ) يتم في هذه الخانة , و مازالت شاخصة للعيان و يقوم احفاد ” علو اغا “من عشيرة متربية بخدمة و اشعال فتايل هذه الخانة المقدسة طيلة ايام السنة .
3-مزار كور بمبارك : ان متولو لهذا المزار هم من ابناء عشيرة متربيا شخص يدعى ” خيري حسين خلف اغا” . فقبل التطرق الى كتابة عن هذا المزار يجب ان نكتب عن وادي كور بمبارك , يعتبر هذا الوادي من اقدس الاودية في جبل شنكال , يقع في الجهة الشمالية الشرقية من الجبل , مابين قرية اوسفا غرباً و قرية بكرا شرقاً , و ان لهذا الوادي قدسية كبيرة عند ايزيدية جبل شنكال , و حسب ما تناقله الاجداد للاحفاد يحكى ان هذا الوادي له خصوصية دينية عظيمة لان يقع فيه احد مزارات الايزيدية وهو مزار باسم شرفدين غير مزار له في قرية الراشد , , اي اخذ مكاناً له عندما قدم هو و اصحابه قبل اكثر من ثمانيمائة سنة و استقروا فيه لحين غادرت المنطقة باتجاه الغرب . كما يوجد في داخل هذا الوادي خزنتين مقدستين هما خزنة شرفدين كانوا في السابق يضع فيها الناس نقوداً بمثابة ( دهيك) و خزنة الخرقة يضع فيها بقايا الخرقة القديمة و البريات القديمة و غيرها , كما يحتضن هذا الوادي كهوفاً يتسع لالاف الاشخاص , يجتمعون فيها اغلب الاحيان عند الشدائد ، ومن اشهر هذه الكهوف يسمى ( قولا كور ) اي الكهف العميق , يتسع هذه الكهوف الاف الاشخاص وهي حصينة و منيعة و كان يؤديها طريق واحد و صعب الوصول اليه الانسان و يتخذها اهالي تلك المنطقة ملجأ لهم اثناء الغزوات , و يمتاز هذا الوادي بجماله الطبيعي الخلاب , و يشتهر بانواع و اصناف كثيرة من الاشجار منها التين و التفاح و العنب و البلوط و غيرها , كما يحرم على اهل المنطقة قطف هذه الفاكهة لغرض بيعها في السوق السوداء , الا انهم لا يرون مانعاً من اكلها , كما لا يجوز ان تأخذ هذه الفاكهة للبيت لان حسب نظرهم من الثمار المقدسة و بمثابة الدواء او تسكرة.
و يقع هذا المزار في باب الوادي اي في بداية الوادي , و المسمى على اسمه ( مزار كلي كور بمبارك ) في البداية كانت عبارة عن هجرة وفي الاونة الاخيرة تم بناء قبة في مكان الهجرة اي في نفس المكان بخيرات الايزيدية وعشيرة بكرا و حسب المعلومات التي اقتسبت ان تاريخ هذه الهجرة يعود الى مجيء شرف الدين للمنطقة , و يقوم بخدمة هذا المزار اسرة بابيري ( اسماعيل صالح اغا) من عشيرة المتربية و مازالوا وكيلاً للولي شرف الدين منذ مغادرته المنطقة , كما يقع في الجانب الشرقي من المزار مقبرة لعشيرة بكرا , و يقال بان” اوسي دوغو” احد مشاهير الايزيدية و ابنته الماهرة و الشجاعة من عشيرة البكرا قد دفنوا في تلك المقبرة .
4-مزار افدل : يقع هذا المزار غلى الضفة المقابلة من مزار شرفدين من جهة الغرب , و حسب الاعتقاد يعود تاريخ هذا المكان الى قبل مجيء شرفدين بفترة وجيزة , و يقوم عائلة “مام زلفو” من عشيرة متربية بخدمة و ايقاد شعلة هذا المزار مساء يومي الاربعاء و الجمعة . و يقع حول المزار من جميع الجهات مقابر للاموات جميع عشائر الايزيدية في جبل شنكال و تعتبر من اكبر المقابر في المنطقة من حيث عدد المدفونين فيها , كما توجد نيشان تقع في غرب المزار تسمى ( سيادي ) , و لاتوجد جماعية لهذا المزار لاسباب مجهولة .
5-شربك شرف الدين : وهو من الرموز المقدسة لدى عشائر جوانا عامةً و عشيرة المتربية عامة ، جلب الولي شرف الدين معه ليشرب منه الماء من يصاب بالامراض المستعصية و المزمنة و خاصة مرض (زه ركي) ، و عند مغادرته ترك عند عشيرة المتربية احفاد “علو اغا” ليقوم هم بالواجب ، و كان موجودة في قرية الطرف لكن في احدى الفرمانات تم سرقه من قبل المحتلين و فقط بقى مكانه و لازال يقوم افراد من عشيرة المتربية باشعال “جرا ” بمكانه .
6- عمبارة دهيك : مكان مخصص لخزن الدهيك في وادي العسن في شرق شمال جبل شنكال؛ وحسب الاصول و القوانين المتبعة في “مه ركه ها شرفدين ” يجمعون هذا الارث الديني بعد جماعية شرفدين , و عشائر الجوانا مشمولة بدفع دهيك اما العشائر الاخرى في منطقة شنكال غير مشمولة , و مازال هذا الارث الديني سارية بين العشائر الجوانا بجيع فروعها،و احفاد علو اغا هم يديرون هذا مكان المقدس . 7- الشرع شرفدين : تأريخ الشرع في جبل شنكال يعود تاريخه مع عهد شرفدين الى شنكال قبل نحو (850) سنة و بعد تشكيل امارته جعل الشرع احد اعماله الشرعية في حل النزاعات و المشاكل الاجتماعية يسمى “شرعا شرفدين” و بعد مغادرته المنطقة ورثهُ طبقة المربي بالوكالة كونهم ممثلاً عن عشائر الجوانا في ديوان شرفدين و لحد الان يمارسون هذا العمل المقدس اباً عن جد , و المشرع الحالي هو السيد (اسماعيل صالح اغا ) من اسرة البابيري . ان المشرع هو الشخص الذي شرف على اعمال شبه محكمة اجتماعية دينية و بدون مقابل ،لديه اثنان من المستشارين يستشير بهما قبل اصدار القرار النهائي . للمشرع عدة صفات حميدة و يتم انتخابه من قبل ابناء العمومة و يجب ان يكون ذو شخصية مرموقة و معروفة في المنطقة و ملماَ باركان الدين و النصوص الدينية التي يستمد منها هذا الدستور و ان يكون عادلاً في كسب ثقة الناس و يفهم في القضايا العشائرية و يقص الحق الذي يترتب على الجاني و يحل الخصام و يختص في فك و حل المشاكل الصعبة بين الظرفين ، كما يجب ان يكون ذو لحية و مغطي الرأس ،كما يجب ان يتصف المساعدون و المستشارون نفس الصفات و يجب ان يعتمد على الادلة و الاثباتات من خلال المبرز الجرمي و اعترافات الجناة و اقوال المجنى عليهم و الشهود و القرائن ،معظم التحقيقات شفاهية و لا يتم التدوين وليس هناك ملفات و محاضر سير التحقيق ،يتم الاستماع الى المخبر او المجني علية و من ثم المتهم و يتم اداء القسم و التحليف من قبل الجميع .في حال الطلاق يجب على المشرع تقدير الامور و الملاحظات و المقترحات التي يطرحها الطرفان حسب الشرع لا حسب العادات و التقاليد و تناقش القضية من قبل الجميع و يصدر القرار المناسب ،علماً ان المشرع لا يصدر القرار الا بالتشاور مع مساعديه وهما شخصين من عشيرة القيجكا (علماً ان عشيرة قيجكا جاءوا مع الولي شرفدين الى شنكال و اصبحوا من المقربين له) و يجب ان يلتزم الطرفين بالقرار و لايجوز ابطاله مطلقاً كما جاء في المثل الاتي (تبلا شرعىَ برِى خؤين تىَ نايَت) اي الاصبع التي يقطعها الشرع لا ينزف منها الدم .كما للمشرع او مايسمى (وكيل شرفدين) اعمال اخرى غير الشرع ، مثلاً توزيع الميراث بين العوائل عشائر الجوانا .

المصادر :
1- حيدر عربو اليوسفاني ,مفهوم الشرع في الديانة الايزيدية ، جريدة دةنكى لالش ،العدد (467) ،(14/2/2018.
2- مقداد مراد الدنائي ، العشائر الايزيدية في جبل شنكال ، بحث غير منشور .
3- حيدر عربو اليوسفاني ، المزارات و الرموز الدينية الايزيدية في جبل شنكال , مجلة لالش ، العدد (44) ، (دهوك- 2019).
4- بعض المعلومات من رجال كبار السن من عشائر الجوانا في اوقات متفرقة ,
5- مقابلة مع السيد (حواس الياس ) من قرية طيرف في اغسطس 2018 .
6- مقابلة مع السيد خيري حسين بابيري مجيور مزار كور بمبارك في نيسان 2022 .
7- مقابلة مع السيد يوسف الياس البكري من مجمع زورافا في ايلول 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى