تأثير الأعياد والمناسبات الدينية في المجتمع الإيزيدي

مقالات/ حيدر عربو اليوسفاني

المقدمة:
تُعدّ الأعياد والمناسبات الدينية من الظواهر الاجتماعية والدينية المهمة التي تمثل جانباً أساسياً في حياة الشعوب والمجتمعات، فهي ليست فقط طقوساً دينية تُمارس في أوقات معينة، بل هي امتدادٌ لموروث ثقافي وفكري واجتماعي يعكس هوية المجتمع وارتباطه بعقيدته وتاريخه. وفي هذا السياق، يحتل المجتمع الإيزيدي مكانة مميزة لما يتمتع به من غنى فكري وتراث ديني واجتماعي عميق، تُجسد الأعياد والمناسبات الدينية فيه محوراً أساسياً في تعزيز القيم الإيمانية، وتقوية أواصر الروابط الاجتماعية، وترسيخ الهوية الثقافية والدينية.
أولاً: الخلفية التاريخية والدينية للمجتمع الإيزيدي
يُعدّ المجتمع الإيزيدي من أقدم المجتمعات التي حافظت على طقوسها ومعتقداتها عبر قرون طويلة رغم ما تعرض له من أزمات سياسية واجتماعية واضطهاد ديني. وقد ساهم تمسكه بالطقوس الدينية، خاصة المرتبطة بالأعياد والمناسبات، في تعزيز تماسكه واستمراره. وتُمارس هذه الطقوس في سياقات دينية واجتماعية تعكس فهماً روحانياً للطبيعة وللكون، وهو ما يميز الديانة الإيزيدية بارتباطها العميق بالعناصر الكونية مثل الشمس، القمر، الفصول، ودورة الحياة.
ثانياً: العلاقة بين الأعياد والطبيعة في الفكر الإيزيدي
كون المجتمع الإيزيدي ذا طبيعة زراعية، فإن غالبية أعياده ومناسباته الدينية تتصل اتصالاً مباشراً بالدورة الزراعية والفصول المناخية، مثل الاعتدالين (الربيعي والخريفي) والانقلابين (الصيفي والشتوي). فكل عيد يرتبط بمرحلة معينة من الزراعة، ويُعبر عن علاقة الإنسان بالطبيعة، ويعزز الشعور بالتناغم مع الكون.فعلى سبيل المثال، يُعدّ عيد رأس السنة الإيزيدية المعروف بـ(سرى سالي) من أهم المناسبات، ويقع في شهر نيسان حسب التقويم الشرقي، ويتزامن مع بداية الحياة الزراعية وانبعاث الحياة في الطبيعة، مما يمنحه بُعدًا روحانيًا ووجوديًا خاصًا.
ثالثاً: الوظيفة الاجتماعية والنفسية للأعياد
تلعب الأعياد دورًا جوهريًا في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أبناء المجتمع الإيزيدي، حيث تُعدّ مناسبة للّقاء، والمصالحة، وتبادل الزيارات، وإحياء القيم الأخلاقية والروحية. كما تساهم هذه المناسبات في دعم الاستقرار النفسي لدى الأفراد، وتخفيف آثار الظروف الصعبة التي مرّ بها المجتمع، لا سيما بعد الفواجع والاضطهادات التي تعرض لها.إن الطقوس الدينية تمثل أداة للمقاومة الثقافية والروحية، إذ أنها تعيد إنتاج الانتماء وتعزز الهوية، مما يجعل الأعياد وسيلة مهمة للحفاظ على تماسك الجماعة واستمرارية تقاليدها في مواجهة التحديات.
رابعاً: رمزية الأعياد الإيزيدية في سياق ما بعد الإبادة الجماعية
بعد ما تعرض له المجتمع الإيزيدي من إبادة جماعية على يد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2014، برزت الأعياد والمناسبات الدينية كأداة للمقاومة الرمزية والنهوض المعنوي، إذ أصبحت ممارسة الطقوس في لالش، وإحياء الأعياد مثل “عيد الجماعية” و”سرى سالي”، شكلاً من أشكال التأكيد على الوجود والاستمرارية، ورداً حضارياً على محاولات الإلغاء والإبادة.إن المشاركة الواسعة من قبل أفراد المجتمع، بمن فيهم الناجون والنازحون، في الاحتفالات الدينية، تعكس إيماناً جماعياً بقدسية الطقوس، ورفضاً لليأس والانكسار. فالأعياد هنا لم تعد فقط مناسبات دينية، بل صارت مناسبة لتجديد العهد مع الحياة، واستذكار الشهداء، والدعوة إلى السلام والعدالة.وتشير هذه الممارسات إلى أن الطقوس الدينية لم تُقمع بل تحوّلت إلى أدوات لتعزيز الهوية، ووسائل لاستعادة التوازن النفسي والاجتماعي، مما يؤكد دور الدين في إعادة بناء الذات الجماعية بعد الكوارث الكبرى.
الخاتمة:
إن الأعياد والمناسبات الدينية في المجتمع الإيزيدي لا تُعدّ مجرد مناسبات احتفالية، بل هي منظومة متكاملة من القيم الدينية والروحية والاجتماعية والثقافية. فهي تؤدي دورًا جوهريًا في ترسيخ الإيمان، وصيانة الهوية، وتعزيز الانتماء، وتوحيد الصفوف في وجه التحديات. ومن خلال دراسة تأثير هذه الأعياد، يمكننا فهم عمق العلاقة بين الدين والمجتمع والطبيعة في الفكر الإيزيدي، وأهمية الحفاظ على هذه الطقوس كجزء من التراث الإنساني الأصيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى