تحويل الدين بالقوة: الحملة العثمانية على الإيزيديين بقيادة الفريق عمر وهبي باشا في( 19/اب/1892)

مقالات / حيدر عربو اليوسفاني
ملخص البحث
يتناول هذا البحث واحدة من أكثر المحطات مأساوية في تاريخ الإيزيديين، وهي الحملة العثمانية التي قادها الفريق عمر وهبي باشا عام 1892م، والتي هدفت إلى إجبار الإيزيديين على اعتناق الإسلام قسرًا، مستخدمة أساليب القهر والتعذيب والترهيب، وانتهت إلى مجازر وتدمير ممنهج لمعتقدات وخصوصية الديانة الإيزيدية.
مقدمة
شهدت نهاية القرن التاسع عشر محاولات متعددة من الدولة العثمانية لفرض سيادتها الدينية على الأقليات غير المسلمة في ولاياتها الشرقية، ومن أبرز ضحايا هذه السياسات كانت الديانة الإيزيدية، التي تعرضت لمحاولات متعددة لطمس هويتها العقائدية والثقافية. وبلغت هذه المحاولات ذروتها في حملة الفريق عمر وهبي باشا عام 1892.
أولاً: السياق التاريخي والسياسي للحملة
حاولت الدولة العثمانية بداية استخدام أساليب الإقناع الديني بإرسال بعثات دينية إلى مناطق الإيزيديين، أبرزها حملة مسعود أفندي (1892).
بعد فشل هذه البعثات، تحولت السلطات إلى نهج أكثر عنفًا، حيث تم تكليف الفريق عمر وهبي باشا بتنفيذ حملة مباشرة على مناطق الإيزيديين.
ثانيًا: تفاصيل الحملة العسكرية والإجبار الديني
دعا وهبي باشا زعماء الإيزيديين إلى الموصل، واستقبلهم بحفل عسكري ضخم يهدف إلى إبهارهم وترهيبهم نفسيًا.
وفقًا لمذكرات المطران مار قورلس بولس دانيال الباخديدي، تم إجبار الإيزيديين على نطق الشهادتين تحت التهديد، وتعذيب الرافضين بأساليب وحشية.
تم تعرية الرافضين وتحطيم أجسادهم أمام الحضور، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم.
ثالثًا: الانتهاكات الرمزية والدينية
في 20 آب، قام الفريق وهبي باشا بجلب أدوات الطقوس الدينية الإيزيدية من القرى مثل باعذرى وبحزاني، وعمد إلى تدنيسها علنًا، “سما الملكزطاووس ” الذي تم ركله بالأقدام أمام الحضور.
استخدم الاستهزاء والازدراء العلني كأداة لكسر كرامة الإيزيديين وتدمير رمزيتهم الدينية.
رابعًا: المقاومة في جبل شنكال (1893)
في 15 نيسان 1893، شن وهبي باشا حملة عسكرية على جبل شنكال، ولكن هذه الحملة ووجهت بمقاومة شعبية قوية بقيادة سفوك باشا الدومبلي ومحما عفدو.
استخدمت النساء مثل زريفة اوسي الزغاريد لرفع معنويات المقاتلين، وشارك بعضهن ميدانيًا في المعركة.
تمكن المقاتلون الإيزيديون من السيطرة على المدفعية العثمانية، مما أجبر القوات العثمانية على التراجع.
خامسًا: الادعاءات العثمانية وتزوير الحقائق
أرسل وهبي باشا برقية إلى إسطنبول يدّعي فيها “إسلام 20,000 من الإيزيديين”، وهي رواية تناقضها الوثائق الميدانية والشهادات المعاصرة التي تؤكد على حجم العنف والرفض الشعبي الذي قوبلت به الحملة.
استخدام الجيش والمدفعية في هذه الحملة دليل على نية الإبادة وليس مجرد التحويل الديني.
خاتمة
تُعد حملة عمر وهبي باشا عام 1892 ضد الإيزيديين واحدة من أوضح الأمثلة على الإبادة الدينية والثقافية التي مورست باسم الدين والدولة، إذ أنها لم تقتصر على الاعتداء الجسدي، بل شملت انتهاكًا رمزيًا ومعنويًا لمعتقدات وهوية شعب بأكمله. ورغم مرور 133 عامًا، لا تزال هذه الأحداث جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الإيزيدية، تتطلب الاعتراف الرسمي بها كجريمة ضد الإنسانية، وتوثيقها أكاديميًا لضمان عدم تكرارها.