تفاحات غيّرت وجه العالم: دراسة في الرمزية والتأثير الحضاري

مقالات/حيدر عربي اليوسفان
المقدمة
لطالما ارتبطت الرموز البسيطة بأحداث عظيمة غيّرت مسار البشرية، ولعل “التفاحة” من أبرز هذه الرموز التي تكررت في سياقات دينية، أسطورية، علمية، وثقافية، مما منحها دلالات متعددة تتجاوز مفهومها كفاكهة. يتناول هذا البحث نماذج من “تفاحات” شكّلت نقاط تحول في التاريخ الإنساني، من قصة آدم في الجنة إلى شعار شركة Apple، مروراً بمحطات أسطورية ودينية وعلمية. كما يسلط الضوء على حضور التفاحة في الأدب الديني الإيزيدي، بوصفها رمزاً روحياً له دلالاته العميقة في الوعي الجمعي.
أولاً: التفاحة في الموروث الديني – تفاحة آدم
يُعدّ ذكر التفاحة في قصة النبي آدم من أشهر الرموز الدينية في التراث الإبراهيمي. ووفقًا للروايات التوراتية والتأويلات المتداولة، فإن مخالفة آدم لأمر ربه بأكله من شجرة التفاح أدت إلى هبوطه إلى الأرض. وبهذا، أصبحت التفاحة رمزًا للمعصية، والاختبار، وبداية الحياة البشرية على الأرض. .
ثانياً: التفاحات في الميثولوجيا الإيزيدية – قصة مير مح
في التراث الإيزيدي، ترد قصة مير مح، وهي من الحكايات الرمزية ذات الدلالات الروحية. وفقاً للأسطورة، مُنح مير مح ثلاث تفاحات كأمانة إلهية، مع تحذير من توزيعها. لكن في طريق عودته، أُخذت إحدى التفاحات من قبل شخصية تُدعى “بابا درويش”، ضمن سياق رمزي يتعلق بمرور الزمن، وتغير الأحوال. وتُعد هذه الرواية مثالاً على استخدام التفاحة كرمز للبركة، والاختبار، والتحول الوجودي.
ثالثاً: تفاحة قضيب البان – بين الأمانة والقدر
تحمل هذه القصة بُعداً أخلاقياً عميقاً، حيث يُروى أن والد “قضيب البان” – وهو من أعلام التصوف في الموصل – أكل تفاحة وجدها في ساقية ماء أثناء جوعه، ثم ندم على ذلك، وذهب إلى صاحب البستان يطلب منه المسامحة. اشترط صاحب البستان أن يعمل لديه سبع سنوات ويزوجه من ابنته، فأنجب منها ولداً أصبح لاحقاً من أولياء الله. تحمل هذه القصة دلالات عميقة حول التوبة، والعدالة، والبركة الناتجة عن صدق النية.
رابعاً: تفاحة نيوتن – بوابة الثورة العلمية
تُعد تفاحة نيوتن الأشهر في التاريخ العلمي. فقد كانت شرارة لفكرة قانون الجاذبية، عندما سقطت تفاحة بجانبه بينما كان جالساً تحت شجرة. ألهمه هذا الحدث للتساؤل عن أسباب سقوط الأجسام نحو الأرض، مما قاده إلى صياغة قوانين الحركة والجاذبية. أصبحت هذه القصة رمزًا للتأمل والربط بين الظواهر اليومية والنظريات العلمية الكبرى.
خامساً: تفاحة ستيف جوبز – ثورة رقمية
شكّلت التفاحة التي اختارها ستيف جوبز شعارًا لشركة Apple نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا. تحت هذا الشعار، تم تطوير أجهزة ونظم تشغيل أحدثت تحولاً في طريقة تفاعل الإنسان مع المعلومات والآلات. وقد اختيرت التفاحة، بحسب بعض الروايات، كرمز للمعرفة والتجربة، في تماهٍ مع رمزية تفاحة آدم.
سادساً: التفاحة في الأدب الديني الإيزيدي
تحضر التفاحة في الأدب الإيزيدي كرمز للصفاء الروحي والرزق والبركة. تُذكر في نصوص الدينية قصيدة “هسنالكا” و”سبحانه ز ته ملكئ أكبر”، وكذلك في التراتيل والمناجاة. على سبيل المثال:
بيرؤ تيت ز ويڤه
مؤرا شيخ ئادى بيڤه
هسنالةكا دار وبةر كرنة سيڤه.
كما ترد رمزية التفاح في قصائد الخريف (باييزوك) والتراتيل الطقسية التي ترتبط بدورات الطبيعة والزمن، وهو ما يدل على تداخل الرمزية الدينية مع الطبيعة والوجدان الجمعي لدى الإيزيديين.
كما تذكر في قصيدة سبحانه ز ته مةلكئ ئةكبةر :
سيڤا سؤر ،شامئ لدةر
شامئ هاتن ،لدةر ،لبةر
كما جاءت ذكرها في مسحابةت و شيرةت :
ئةز بيزمه وه يا فلان
هوون رةزڤانينه ،ئئ سيڤان وگولان
بخؤف و ترس بن ز هةموو دلان
و ذكرت تفاح في باييزؤك (رنده كراڤى).
هةر دو مةمكيت شةنگه گراڤيا منه گراڤى نةبوونه خؤخيت ميرانى
سيڤيت رؤستةم بةگى ،لئةوليا پايزئ بسةريت شاخاڤه بمينن
وةختئ دكةڤنه دةستيت جهيليت ڤى دةورى ،فى زةمانى.
گول و سووسن و بةيبوونه
ميو و سيڤ و زةيتونه
ئةوزى ل سةر مه حاسل بوونه ..
الخاتمة
من خلال تتبع مسار “التفاحة” عبر العصور والسياقات، يتضح أن هذه الفاكهة البسيطة تحولت إلى رمز ثقافي وإنساني بالغ التأثير. فقد عبّرت عن مفاهيم الخطيئة، والحكمة، والبركة، والاكتشاف، والتقدم. إن رمزية التفاحة لا تتوقف عند حدود الأسطورة أو الدين، بل تمتد لتطال التكنولوجيا والعلوم الحديثة، لتؤكد أن الرموز حين تتكرر في الوعي البشري، فإنها تكتسب ديمومة ومعنى يتجاوز حدود المادة