زيارة دمشق وتناقضات العدالة
مقالات /خالد اليأس رفو
بحسب بيان صادر عن مكتب “المدعي العام” لمحكمة الجنائية الدولية، السيد “كريم أحمد خان”، جاء فيه أنه سافر إلى دمشق بدعوة رسمية من الحكومة الانتقالية السورية (حكومة الجولاني) ليطلع على الآلية وكيفية تقديم الدعم لجهود السلطة السورية الجديدة في محاسبة الجرائم المرتكبة في البلاد.
وأضاف البيان أن “المدعي العام” ممتن للمناقشات المفتوحة والبناءة مع الإدارة الجديدة خلال زيارته في دمشق.
السيد “كريم أحمد خان” هو محامٍ بريطاني مختص في القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو يشغل حاليًا منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. كما شغل سابقًا منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، وكان المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق “يونيتاد” التابع للأمم المتحدة، الذي عمل على جمع الأدلة حول الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في سوريا والعراق.
من بين توصيات فريق التحقيق “يونيتاد” الذي ترأسه السيد “كريم خان”، تم الإشارة إلى أن ما تعرض له الأيزيديون في سوريا والعراق جراء الغزو في 3 آب/أغسطس 2014، أثناء حكم تنظيم داعش، يعد جريمة إبادة جماعية.
من الجدير بالذكر أن المدعو “أوس الموصلي” (والي الموصل)، أو “أبو محمد الجولاني” (قائد جبهة النصرة)، أو “أحمد الشرع” (قائد تحرير الشام)، هو الآن رئيس الإدارة الجديدة في سوريا.
“أبو محمد الجولاني” كان في الماضي أحد قادة تنظيم “القاعدة” مع الزرقاوي في العراق، وكان مسؤولًا عن تفجيرات القرى الإيزيدية في جنوب سنجار عام 2007. كما شارك مع “داعش” بعد مبايعة “أبو بكر البغدادي” في إبادة الإيزيديين في سنجار عام 2014. الآن، يصافح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتباره رئيس الإدارة السورية.
من حقنا نحن المواطنين أن نتساءل:
سيادة المدعي العام، كما نعلم جميعًا، تم استقبالك في دمشق من قبل “إرهابي عالمي” مطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب من قبل العديد من الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية. الغريب أنه تحول بقدرة قادر إلى رئيس الإدارة الجديدة في سوريا وأصبح يُنظر إليه كحامي العدالة الدولية…؟!
السؤال هو: هل ناقش “كريم خان” مع الموصلي، الجولاني، أو الشرع، عن الآلية التي يمكن أن تقدمها محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبها هو وجماعته في العراق وسوريا؟ وهل تم التطرق إلى كيفية تسليمهم ومعاونيهم إلى المحكمة الدولية لمحاكمتهم عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها ضد المدنيين الأبرياء؟
أم أن “السيد خان” جاء ليطمئن الجولاني بأنه سيكون في مأمن من أي محاكمة، سواء دولية أو محلية، لأنه يطبق كل ما تم تلقينه به على أكمل وجه؟
العدالة أم السياسة؟
عندما تتواجد العدالة مع الإرهاب على طاولة واحدة، تصبح الحقوق غائبة ولا وجود لها، وهذا يولّد الكثير من الأسئلة والعديد من إشارات الاستفهام.
لا شك أن العدالة الدولية بحاجة إلى استقلالية تامة عن الأبعاد السياسية التي قد تؤثر على قراراتها. وفي هذا السياق، يجب أن نتساءل عن مدى تأثير السياسة الدولية على عمل المحكمة الجنائية الدولية. هل هي بالفعل قادرة على اتخاذ قرارات قانونية نزيهة، أم أن لها تأثيرات خارجية تفرض عليها التعامل مع بعض القضايا بشكل يختلف عن غيرها؟
“أبو محمد الجولاني” لم يكن يومًا مجرد قائد في تنظيم عسكري، بل كان جزءًا من سلسلة من التنظيمات الإرهابية الأكثر وحشية، بداية من “القاعدة” ثم “داعش”، وصولًا إلى “هيئة تحرير الشام”. تاريخ الجولاني الإرهابي مليء بالجرائم التي لم تُحاسب بعد.
هذا يقودنا إلى السؤال الكبير: هل العدالة الدولية فعلاً معنية بمحاسبة المجرمين، أم أن السياسة الدولية هي التي تتحكم في مصير القضايا الكبرى؟ هل حقًا يمكننا الوثوق في قدرة المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة كل من تلطخت يديه بدماء الأبرياء في ظل هذه التداخلات؟
يبدو أن الغرب، بما فيهم أمريكا، يرغب في “أسلمة الشرق الأوسط”، بمعنى أنهم قد يفضلون تسليم المنطقة لمنظمات إسلاموية راديكالية “إرهابية”، تحديدًا “السنية” منها، لتفريغ بلادهم من العناصر الراديكالية. خير دليل على ذلك هو ترك أفغانستان تحت سيطرة طالبان، والآن نجد أن سوريا تُسلم لجبهة تحرير الشام. قد يتكرر الأمر في دول أخرى في المنطقة.
قد يكون ما خفي من أمور السياسة أعظم وأعمق مما نتصور. كنا نتمنى أن نرى جميع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من مسؤولين ومجرمين يمثلون أمام العدالة، لكن يبدو أن مصالح القوى العظمى هي التي تتحكم في مسار الأحداث.