شنكال تتظاهر رفضًا لاتفاقية 9 أكتوبر بين بغداد وهولير: الإيزيديون يواصلون نضالهم من أجل إرادتهم الحرة

مركز الأخبار
شنكال – في الذكرى الخامسة لاتفاقية 9 تشرين الأول 2020 بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في هولير، خرج المئات من الإيزيديين في تظاهرات حاشدة بمدينة شنكال (سنجار)، رفضًا لما يصفونه بـ”اتفاق الإبادة القانونية”، مؤكدين تمسكهم بإرادتهم الحرة واستقلال قرارهم السياسي والأمني والإداري.
يقول المتظاهرون إنهم بعد أن تمكنوا من تحرير أنفسهم من الإبادة الجسدية التي تعرّضوا لها عام 2014 على يد تنظيم “داعش”، يواصلون اليوم نضالهم ضد محاولات جديدة لتقييد إرادتهم وطمس هويتهم، في مواجهة ضغوط سياسية وإدارية متواصلة من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تنفيذًا لاتفاقية يرونها مفروضة عليهم من الخارج.
دعوة إلى الحرية والاستقلال الذاتي
ويعتبر المجتمع الإيزيدي أن اتفاقية 9 أكتوبر تمثل استمرارًا لمسلسل الإبادة، إذ جاءت بعد عام 2014 لتعيد صياغة الهيمنة السياسية والعسكرية على شنكال تحت غطاء “التسوية الإدارية”، فيما يصفها الأهالي بأنها محاولة لإعادة المنطقة إلى التبعية والإقصاء.
اتفاق مفروض خارج إرادة الإيزيديين
الذكرى الخامسة للاتفاقية تزامنت مع تصاعد الاحتقان في شنكال، حيث يرى الإيزيديون أن حكومة السوداني تواصل سياسة فرض الاتفاقية من خلال التضييق على الأهالي ووقف عودة النازحين ووضع العراقيل أمام المجالس المحلية والإدارة الذاتية التي أنشأها أبناء شنكال عقب التحرير، في مسعى — كما يقول المتظاهرون — لتسليم المنطقة مجددًا لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويشير ناشطون إيزيديون إلى أن هذه السياسة تأتي استجابة لضغوط تركية وكردية مباشرة، في وقتٍ يستعد فيه المجتمع الإيزيدي لترسيخ نظام ديمقراطي قاعدي يعتمد على المجالس والكومونات الشعبية باعتباره الضمانة الحقيقية لحماية هويتهم ومكتسباتهم بعد الإبادة.
اتفاقية أُبرمت بصفقات إقليمية ودولية
من وجهة نظر المجتمع الإيزيدي، فإن اتفاق 9 أكتوبر لم يكن تفاهمًا وطنيًا بين بغداد وهولير، بل صفقة سياسية تمت بوساطة دولية وإقليمية، بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركية والحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وبموافقة القوى المهيمنة عالميًا.
وُقعت الاتفاقية رسميًا باسم حكومة الإقليم من قبل وزير الداخلية ريبر أحمد، وعن الحكومة الاتحادية حميد رشيد فالح نائب مستشار الأمن الوطني، بحضور ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت التي أدّت دورًا أساسيًا في التمهيد للاتفاق عبر اجتماعاتها المتكررة مع الحزب الديمقراطي والدولة التركية.
ويؤكد الإيزيديون أن الأمم المتحدة، التي أعلنت دعمها للاتفاق بزعم تحقيق “الاستقرار”، تجاهلت تمامًا الغارات الجوية التركية المتصاعدة التي استهدفت قادة الإيزيديين ومراكزهم المدنية، معتبرين صمتها تواطؤًا ضمنيًا يجعلها شريكة في الجرائم بحق المجتمع الإيزيدي.
أهداف الاتفاقية: تفكيك الإدارة الذاتية وتجريد شنكال من دفاعها
الاتفاقية تضمنت ثلاث بنود رئيسية هي الإدارة والأمن والإعمار، وجميعها — بحسب الإيزيديين — جاءت لضرب مكتسباتهم:
الإدارة المحلية: نصّت على تعيين قائمقام جديد “مستقل”، ما يعني إلغاء نظام الإدارة الذاتية المحلي وإعادة ربط شنكال بالحكومة اقليم.
الأمن: منحت السيطرة الأمنية للشرطة الاتحادية والمخابرات، وأوجبت إخراج كل القوى المحلية، أي وحدات مقاومة شنكال (YBŞ) ووحدات المرأة (YJŞ) وقوات أسايش إيزيدخان، وهو ما وفّر غطاءً قانونيًا لضرب هذه القوى.
الإعمار: أنشأت لجنة مشتركة بين بغداد وهولير لإعادة إعمار المنطقة، لكنها — بحسب الأهالي — لم تنفذ أي مشروع فعلي حتى اليوم، بل استُخدم الملف كورقة ضغط سياسية لعرقلة عودة النازحين.
خمسة أعوام من الهجمات والاغتيالات
منذ توقيع الاتفاقية، تعرّضت شنكال لأكثر من 25 هجومًا مباشرًا بين أعوام 2021 و2023، تنوعت بين غارات جوية وعمليات تفجير واغتيال، من أبرزها:
16 آب 2021: استشهاد القيادي سعيد حسن في سوق شنكال القديم بغارة تركية.
17 آب 2021: قصف مستشفى سكنية في شنكال أدى لاستشهاد 8 أشخاص بينهم 5 من مقاتلي YBŞ.
7 كانون الأول 2021: اغتيال الرئيس المشترك لمجلس شنكال مروان بيدل بسيارة مفخخة.
2 أيار 2022: هجوم الجيش العراقي بالدبابات على منطقتي دوكوري وسنونة
27 شباط 2023: غارة تركية على قرية بخانصور أدت لاستشهاد القائدين بير جكو وآكر جعفري.
17 أيلول 2023: استشهاد ثلاثة قادة من YBŞ في قصف على جبل شنكال.
هذه الهجمات، بحسب ناشطي شنكال، ليست سوى ترجمة عملية لبنود الاتفاقية التي تسعى إلى كسر الإدارة الذاتية وتجريد المنطقة من دفاعها الذاتي.
صمت حكومي وتواطؤ سياسي
يرى الإيزيديون أن مسؤولية هذه الاعتداءات تقع أيضًا على عاتق الحكومتين العراقية السابقة والحالية، سواء في عهد مصطفى الكاظمي أو محمد شياع السوداني، إذ التزمتا الصمت أو شاركتا فعليًا في سياسات تقييد إرادتهم.
ففي عهد الكاظمي، حاولت الحكومة فرض الاتفاق عسكريًا عبر عمليات انتشار للجيش في شنكال أدّت إلى اشتباكات مباشرة مع الإيزيديين. أما حكومة السوداني، فاتبعت سياسة أكثر “هدوءًا”، لكنها حافظت على مضمون الاتفاقية، مُبقية قبضتها العسكرية والإدارية على المنطقة.
ويشير ناشطون إلى أن السوداني أبقى الاتفاق ساريًا رغم أنه لم يُصادَق عليه في البرلمان ولم يُنشر كوثيقة رسمية، وذلك سعيًا منه لكسب دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركية لتثبيت توازن حكومته السياسي، على حساب حقوق المجتمع الإيزيدي.
اتفاقية بلا شرعية… وإصرار على المقاومة
يؤكد أبناء شنكال أن اتفاق 9 أكتوبر لا يملك أي شرعية قانونية أو اجتماعية، لأنه لم يُستشر فيه الإيزيديون، ولم يُعتمد وفق الإجراءات الدستورية، بل فُرض عليهم من فوق رؤوسهم ضمن ترتيبات إقليمية.
ورغم مرور خمس سنوات على توقيعه، يواصل الإيزيديون مقاومتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، من خلال بناء نموذج ديمقراطي محلي يعتمد على اللامركزية والمجالس الشعبية، كطريق بديل عن الوصاية الخارجية.
خاتمة: إرادة لا تُكسر
بعد خمس سنوات من “الاتفاق المفروض”، تبيّن للإيزيديين أن اتفاقية سنجار لم تكن سوى أداة لإعادة إنتاج السيطرة والهيمنة تحت عنوان “الاستقرار”، فيما تحوّلت شنكال إلى ساحة صراع بين قوى محلية وإقليمية.
لكن، كما يؤكد المتظاهرون، لن تُكسر إرادة المجتمع الإيزيدي الذي خرج من رماد الإبادة أقوى من ذي قبل، مصممًا على حماية أرضه ونظامه الديمقراطي الذاتي، في وجه كل محاولات الإخضاع والتهميش.