شهر آب في الذاكرة الجمعية للإيزيديين

قراءة تأريخية في رمزية الإبادة والحداد
مقالات/ حيدر عربو اليوسفاني
المقدمة
يمثل شهر آب/أغسطس في الذاكرة الإيزيدية رمزًا للتراجيديا المتكررة، وموسمًا يعيد كل عام استحضار سلسلة من المجازر والانتهاكات التي طالت هذا المكون الديني العريق. وتكتسب هذه الذكرى أهمية خاصة ليس فقط من حيث الكوارث البشرية التي وقعت خلالها، بل من خلال تحوّلها إلى نقطة تقاطع بين الحدث والزمن والهوية، بحيث بات آب يُقرأ في الثقافة الإيزيدية كشهر الإبادة بامتياز. هذا البحث يتناول أبرز المحطات المرتبطة بهذا الشهر، مع التركيز على فرمان شنكال 2014، إبادة كوجو، وتفجيرات تل عزير وسيبا شيخ خدر، من منظور تأريخي ومجتمعي.
أولًا: شهر آب في الموروث الشعبي الإيزيدي
ترتبط تسمية آب في الثقافة الشعبية الإيزيدية بمفاهيم الحَرّ، الشقاء، والمصير المأساوي. وقد ورد في الأمثال المتوارثة
“تموز يشوي وآب يحرق”
وهو تعبير عن القسوة المناخية لهذا الشهر، لكنّه اكتسب في العصر الحديث دلالة رمزية أوسع تعكس تجدد الألم فيه، وتحوله إلى وعاء زمني تتكرر فيه الإبادات.
ثانيًا: فرمان شنكال 3 آب 2014 – ذروة المأساة
في فجر يوم الأحد 3 آب 2014، شنّ تنظيم داعش هجومًا واسعًا على قضاء شنكال، مركز الوجود الإيزيدي في العراق. تم تنفيذ مجازر جماعية بحق المدنيين، وتم أسر آلاف النساء والأطفال، وتدمير البنية السكانية والدينية بالكامل.
أبرز الحقائق:
عدد الشهداء تجاوز 5,000 مدني.
اختُطف أكثر من 6,400 شخص، معظمهم من النساء والفتيات.
نزوح قسري لحوالي 400,000 نسمة.
تدمير أكثر من 68 مزارًا دينيًا إيزيديًا.
اعترفت الأمم المتحدة لاحقًا بما جرى على أنه إبادة جماعية وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة (1948).
ثالثًا: إبادة كوجو – المجزرة المؤلمة
في 15 آب 2014، وبعد 12 يومًا من الحصار، نفّذ تنظيم داعش واحدة من أبشع مجازره بحق قرية كوجو الواقعة جنوب سنجار. حيث تم فصل الرجال عن النساء وقتلهم جماعيًا، ثم اقتياد النساء والفتيات إلى مراكز أسر وبيع في الموصل والرقة.
الحصيلة:
قتل ما يزيد عن 400 رجل وشاب.
خطف أكثر من 800 امرأة وطفل.
اختفاء قسري لعشرات العائلات.
تحويل المدرسة الوحيدة في القرية إلى مركز للإعدام الجماعي.
كوجو أصبحت رمزًا عالميًا للإبادة الإيزيدية، وبرزت منها أصوات مثل نادية مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام.
رابعًا: مجزرة تل عزير وسيبا شيخ خدر – 14 آب 2007
في يوم 14 آب 2007، تعرضت ناحيتا تل عزير وسيبا شيخ خدر لتفجيرات انتحارية بأربع شاحنات مفخخة، استهدفت تجمعات سكنية إيزيدية جنوب قضاء سنجار.
النتائج:
استشهاد ما يزيد عن 400 مدني.
إصابة أكثر من 1,500 شخص بجروح.
تدمير مئات المنازل والمنشآت.
تُعد هذه المجزرة واحدة من أكبر العمليات الإرهابية في العراق بعد 2003، وكانت بمثابة تمهيد للعنف المنظم الذي تصاعد حتى بلغ ذروته في 2014.
خامسًا: طقوس الحداد والذاكرة في شهر آب
تحوّل شهر آب إلى موسم حداد سنوي في المجتمع الإيزيدي، تُقام فيه:
مراسيم استذكار في معبد لالش بالمقدّس، و شنكال و مجمعات اخرى
حملات محلية ودولية للمطالبة بالعدالة.
وقفات احتجاج وتوثيق ومطالبة بإعادة الإعمار.
الذكرى لم تعد مناسبة دينية فحسب، بل أصبحت جزءًا من خطاب الهوية والنجاة والمقاومة السلمية.
الخاتمة
ليس من المبالغة القول إن شهر آب يمثل ذاكرة الإبادة في التاريخ الإيزيدي. فمن تل عزير إلى كوجو، ومن سيبا شيخ خدر إلى سنجار، تتوالى النكبات وكأنها مشهد واحد متكرر بأزمنة مختلفة. ويمثل البحث في هذه الذكرى واجبًا أخلاقيًا وتاريخيًا، من أجل حفظ الذاكرة من النسيان، والمطالبة بالعدالة، وتثبيت الحق في الحياة والوجود.