صيد القبج (كه‌و) في جبل شنكال: دراسة تراثية وثقافية

مقالات :حيدر عربو اليوسفاني

المقدمة

يُعتبر صيد القبج (كه‌و) من العادات التراثية والموسمية المتجذرة في منطقة سنجار (شنكال)، حيث أصبح جزءًا من الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان المحليين. يمارس السنجاريون هذه الهواية منذ القدم، ويولون اهتمامًا خاصًا بهذا الطائر لما له من مكانة رمزية في الأدب والتراث الإيزيدي. يهدف هذا البحث إلى دراسة تاريخ صيد القبج في شنكال، وأساليبه، ودوره في التراث الشعبي، إضافةً إلى تأثيره البيئي والاقتصادي.

أولًا: الخصائص البيولوجية للقبج

القبج (الحجل) هو نوع من الطيور ينتمي إلى فصيلة الدجاجيات، ويعيش في المناطق الجبلية الصخرية مثل جبل شنكال. يتميز بألوانه المتنوعة، حيث يكون رماديًا أو أبيض وأسود من الأعلى، مع خطوط كستنائية على الجوانب ووجه أبيض محاط بطوق أسود. يُعرف القبج بصوته الفريد الذي يجمع بين نقنقة الدجاج وزقزقة العصافير. وهو طائر مقيم غير مهاجر، يبدأ التكاثر في شهر أيار (مايو)، ويضع عادةً من 4 إلى 5 بيضات، تفقس في أوائل حزيران (يونيو).

ثانيًا: صيد القبج في شنكال

  1. تاريخ الصيد وأهميته

عرفت منطقة شنكال منذ القدم بصيد الطيور والحيوانات البرية، حيث كان السكان يمارسون صيد الصقور والغزلان إلى جانب القبج. ومع مرور الزمن، انحسرت بعض أنواع الصيد، إلا أن القبج ظل حاضرًا كجزء من الثقافة السنجارية. يعتبر صيده من الهوايات الشائعة، لكنه في بعض الأحيان كان محفوفًا بالمخاطر، حيث فقد العديد من الصيادين حياتهم أثناء ممارسته في الجبال الوعرة.

  1. أساليب الصيد

يستخدم الصيادون عدة أساليب للإمساك بالقبج، منها:

الصيد بالشباك (داڤ): حيث توضع أنثى القبج في منطقة محددة دون أن يراها الذكور، ثم تبدأ الأنثى بإصدار أصوات مغرية تجذب الذكور، التي سرعان ما تحيط بها في محاولة للفوز بها، ليتم الإيقاع بها بواسطة الشباك.

الصيد بالمصائد اليدوية: وهي طرق تقليدية يتم فيها استخدام الحبوب والأعلاف كطُعم للإيقاع بالطيور.

استخدام القبج المدرب: حيث يقوم بعض الصيادين بتدريب طيور القبج لاجتذاب غيرها من الطيور البرية.

ثالثًا: القبج في التراث الشعبي

  1. رمزيته في المجتمع السنجاري

يحتل القبج مكانة بارزة في الأدب والتراث الإيزيدي، حيث يُنظر إليه كرمزٍ للحب والحرية والشجاعة، وفي بعض الأحيان يُوصف بالخائن، لأنه يتسبب في وقوع الطيور الأخرى في الشرك أثناء الصيد. كما أن له دلالات اجتماعية عديدة، مثل وصف الشخص الرشيق وخفيف الحركة بـ”كێوێ نێر” (ذكر القبج).

  1. القبج في الأغاني والشعر

حظي القبج بمكانة خاصة في الأغاني الفلكلورية، مثل الأغنية التي تصف بطولة رجال شنكال عندما هاجم العجم قرية باعدري، حيث ورد في إحدى الأبيات:
“دەنگێ خۆرتێت چيايێ شنگالێ ل پی عەسكەرێ عەجەم قەپقەبا كەوێ نێرە”.
كما يستخدم اسمه في الألقاب والأسماء الشخصية، حيث يُطلق على الفتيات اسم “كه‌وێ”، وعلى الذكور “رەبات”، وعلى الأفراخ الصغيرة “چيلە كەو”.

رابعًا: التأثير البيئي والاقتصادي لصيد القبج

  1. الأثر البيئي

رغم أن القبج طائر غير مهاجر، إلا أن الإفراط في صيده قد يؤدي إلى انخفاض أعداده، مما يؤثر على التوازن البيئي في المنطقة. ومع زيادة الطلب عليه، بدأت بعض الأصوات تنادي بضرورة تنظيم الصيد للحفاظ على أعداد الطائر ومنع انقراضه.

  1. القيمة الاقتصادية

نظرًا لتميز لحمه بمذاقه اللذيذ، يُعد القبج من الطيور باهظة الثمن، إذ قد يصل سعره إلى أكثر من 500 ألف دينار عراقي، حسب جودته ونوعيته. وقد دفع هذا السعر المرتفع العديد من الصيادين إلى الاستمرار في صيده، سواءً لأغراض الاستهلاك المحلي أو التجارة.

الخاتمة

يُعد صيد القبج من العادات التراثية العريقة في شنكال، حيث يحمل دلالات ثقافية واجتماعية عميقة. ورغم تطور الزمن، لا يزال هذا التقليد حاضرًا بين السكان، سواءً من خلال الصيد الفعلي أو في الأغاني والأدب الشعبي. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى تنظيم الصيد باتت ضرورية للحفاظ على التوازن البيئي وضمان استمرار وجود هذا الطائر الفريد.

المصادر والمراجع

  1. المقابلات الشخصية مع صيادي القبج في منطقة شنكال.
  2. الموروثات الشفوية والأغاني الشعبية الإيزيدية.
  3. الدراسات البيئية حول طائر القبج وتأثير صيده على النظام البيئي.
    ٤.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى