عيد رأس السنة الإيزيدية (سەرەسال): دراسة في الرمزية والطقوس

حيدر عربو اليوسفاني
المقدمة
تُعد الأعياد والمناسبات الدينية جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والدينية لأي جماعة بشرية. ومن بين أبرز هذه الأعياد لدى الديانة الإيزيدية، يبرز عيد رأس السنة الإيزيدية أو ما يُعرف بـ”سەرەسال”، الذي يُحتفل به في الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي. هذا العيد ليس فقط مناسبة دينية بل يحمل دلالات رمزية وفلسفية عميقة تتعلق بمفاهيم الخليقة والتكوين وتجدد الحياة.
موعد العيد وتوقيتاته
يُحدد عيد رأس السنة الإيزيدية في الأربعاء الأول من شهر نيسان حسب التقويم الشرقي، الذي يسبق التقويم الميلادي بـ13 يومًا، ويصادف هذا العام (2025) في يوم الأربعاء الموافق 16 نيسان. ويأتي هذا التوقيت متزامنًا مع بداية الربيع، وبعد عدة أيام من الاعتدال الربيعي الذي يُصادف يوم 24 آذار، وهو اليوم الذي تبدأ فيه احتفالات نوروز، اليوم الأول من السنة الشمسية الكردية.
الرمزية الدينية والفلسفية للعيد
يرمز العيد إلى عيد الخليقة والتكوين، حيث يعتقد الإيزيديون بأن في هذا اليوم تم خلق أول كائن حي وهو “آدم”، وأن الروح استقرت في قالب الإنسان. كما تفجرت “الدرة البيضاء” بأمر من الخالق، لتنتج العناصر الأربعة (التراب، الماء، الهواء، والنار)، وهي الأسس التي تكوَّن منها الكون.
وتُجسّد هذه الرمزية في طقس سلق البيض وتلوينه، إذ يرمز البيض إلى الكون، وعملية سلقه وتبريده ثم تلوينه تعكس رمزية التكوين والتشكل والتنوع في الحياة.
الطقوس الدينية والاجتماعية
- مراسيم معبد لالش
تبدأ احتفالات العيد مساء الثلاثاء في معبد لالش، بمشاركة رجال الدين وعلى رأسهم بابا شيخ. يتم خلال المراسيم إشعال 365 شمعة، ترمز لأيام السنة، وتُقام صلوات وابتهالات مصحوبة بموسيقى “الدف والشباب”، إيذانًا ببدء العام الجديد وانبعاث الحياة من جديد.
- طقوس المنازل والقرى
في القرى والبيوت، تقوم النساء بسلق البيض وتلوينه بالألوان الطبيعية. كما يتم تحضير خبز خاص يُسمى “سەوك”، يُدهن قبل خبزه ويوزع على الجيران كرمز للتقارب والمحبة. وتُجمع صباح العيد زهور شقائق النعمان، وتُعلّق مع قشور البيض الملوّن فوق أبواب البيوت.
- الطقوس الرمزية
غسل الوجه بندى النباتات: يتم فجر الأربعاء، للتبرك بالنقاء والخصوبة.
لبس الملابس الجديدة: خاصة للأطفال، كرمز للبدايات الجديدة.
لعبة تكسير البيض: تمارس بين أفراد العائلة والقرية، وتعبر عن الفرح الجماعي.
زيارة المقابر: تُخصص النساء وقتًا لزيارة موتاهن والدعاء لهم.
- مراسيم الفلاحين والرعاة (ستيكوش)
يُمارس الفلاحون طقس رش قشور البيض في الحقول للتبرك وزيادة المحصول. كما تقام طقوس حلابة الغنم وخلطها مع الطليان، ويتخللها طقس كسر عصا الراعي (كوبال) وتوزيعها على النساء للتبرك.
المحرمات والعادات الخاصة بالشهر
يُمنع الزواج في شهر نيسان عند الإيزيديين، حيث يُعتبر عروس أشهر السنة ولا يرضى بوجود “عروس أخرى” بجانبه. كما يمتنع الإيزيديون عن حراثة الأرض في هذا الشهر، احترامًا لجمال الطبيعة وحفاظًا على تفتحها.
الاعتراف الرسمي بالعيد
تقديرًا لأهمية هذا العيد وللاحترام المتبادل بين الأديان والمكونات، قررت حكومة إقليم كردستان اعتبار يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي عطلة رسمية سنوية في جميع أنحاء الإقليم.
الخاتمة
يُعد عيد “سەرەسال” أكثر من مجرد مناسبة دينية لدى الإيزيديين، فهو يحمل في طقوسه ورموزه رسالة كونية عن الولادة والحياة والانبعاث. يعكس هذا العيد عمق الروحانية والارتباط الوثيق بالطبيعة، كما يمثل جزءًا حيًا من التراث الثقافي والروحي للشعب الإيزيدي، ويُعدّ مثالًا حيًا على التناغم بين الدين والبيئة والمجتمع.