فرمانات الغُز (الأوغوز) ضد الإيزيديين في العصور الوسطى: دراسة تاريخية

مقالات / حيدر عربو اليوسفاني
يتناول هذا البحث الحملات العسكرية التي شنّها الغُز (الأوغوز) – إحدى أبرز الفروع التركية – ضد الإيزيديين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، مستندًا إلى المعطيات التاريخية والمرويات المحلية. يهدف البحث إلى تحليل السياقات السياسية والدينية التي أدت إلى هذه الحملات، مع التركيز على الآثار الاجتماعية والإنسانية التي خلفتها على المجتمعات الإيزيدية في مناطق مثل مراغة، أورمية، وجبل شنكال.
أولًا: مقدمة
الغُز أو الأوغوز هم اتحاد قبلي تركي الأصل، ظهروا في سهوب آسيا الوسطى، ويمثلون أحد الفروع الستة التقليدية للشعوب التركية. مع توسعهم غربًا، ساهموا في تأسيس كيانات سياسية بارزة كالسلاجقة والعثمانيين. خلال هجرتهم وتوسعهم، اصطدموا بعدد من الكيانات والمجتمعات الأصلية، ومنها الإيزيديون، الذين تعرضوا لعدة حملات إبادة وتنكيل.
ثانيًا: الخلفية التاريخية والسياسية للأوغوز
هاجر الأوغوز في القرنين التاسع والعاشر من مناطق ما وراء النهر نحو إيران والأناضول، وأسّسوا الدولة السلجوقية في القرن الحادي عشر. تميزت هذه الفترة بصراعات طائفية وسياسية، حيث برزت النزعة التوسعية المصحوبة بالدوافع الدينية، إذ اعتبر السلاجقة العديد من الجماعات غير المسلمة أو “الهرطقية” أهدافًا مشروعة.
ثالثًا: الحملات الأولى ضد الإيزيديين (1029م)
في عام 1029م، شنّ الأوغوز حملة عسكرية ضد منطقة مراغة ومحيطها، التي كانت تضم تجمعات من الهذبانيين والإيزيديين المتحالفين مع الأمير أبو الهيجاء الهذباني. كما زحفت وحدات من الأوغوز نحو مدينة أورمية، وامتدت أعمال العنف إلى المناطق الجبلية المحيطة.
رابعًا: حملة عام 1037م ضد مناطق الموصل
في عام 1037م، انطلقت قوات أوغوزية من أورمية باتجاه مناطق الموصل، حيث كانت هناك كثافة سكانية إيزيدية، خصوصًا في مناطق الهكاريين. ورغم توقع الأوغوز لضعف المقاومة، إلا أنهم فوجئوا بهجوم مباغت من الإيزيديين الجبليين، أدى إلى مقتل نحو 1500 مقاتل أوغوزي وأسر عدد من القادة، إضافة إلى اغتنام كميات كبيرة من الأسلحة.
خامسًا: حملة الغازي أرطغرل بك على جبل شنكال (1056م)
بعد تحركه إلى ديار بكر، استسلم له ابن مروان، وأبلغه من خلال ابن عمه قتلمش شكاوى بشأن الإيزيديين في جبل شنكال، الذين وُصفوا بالكفار وفق المرويات التركية. وبناءً على ذلك، شنّ أرطغرل بك في عام 1056م حملة دموية على جبل شنكال، قتل خلالها الأمير مجلي بن مرجا، زعيم المنطقة، إضافة إلى مئات من المدنيين، مع عمليات سبي جماعية للنساء والأطفال، وتدمير ممنهج للقرى والبنى التحتية.
سادسًا: دلالات الحملة ونتائجها
تعكس هذه الحملات ملامح السياسات الدينية المتشددة والطموحات التوسعية لدى الأوغوز في تلك الفترة. وقد خلّفت هذه الحملات جروحًا عميقة في الذاكرة الجماعية الإيزيدية، إذ وُثقت بعض أحداثها في المرويات الشفوية والقصص الدينية للإيزيديين، التي لا تزال حية حتى اليوم.
سابعًا: تحليل نقدي للمصادر
تعتمد هذه الروايات في جزء كبير منها على المصادر الإيزيدية الشفوية، وبعض المؤرخين الإسلاميين كابن الأثير وابن خلدون. ومع ذلك، فإن التحليل النقدي يفرض التمييز بين الأساطير والوقائع التاريخية، لذا فثمة حاجة إلى توثيق أرشيفي وتحقيق أكاديمي أوسع لدراسة هذه الفترات.
خاتمة:
إن دراسة فرمانات الغُز ضد الإيزيديين تفتح نافذة لفهم صراعات الهويات الدينية والعرقية في العصور الوسطى، وتسلّط الضوء على جوانب من التاريخ المنسي لمجتمع ديني أصيل تعرض مرارًا وتكرارًا للتطهير العرقي. تؤكد هذه الدراسة على ضرورة التوثيق العلمي والموضوعي لهذه الأحداث في إطار مقاربة تاريخية شاملة وغير منحازة.
المصادر والمراجع:
1. ابن الأثير، الكامل في التاريخ.
2. ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر.
3. خيري شنكالي، دراسات في التاريخ الإيزيدي.
4. إسماعيل بيشكجي، المجتمع الإيزيدي: دراسة إثنو-تاريخية.
٥. مصادر شفوية شنكالي
.