فلسفة وقدسية شهر نيسان لدى الإيزيدية

مقالات/حيدر عربو اليوسفاني
يُعدُّ شهر نيسان من الأشهر ذات الأهمية الكبيرة في المعتقدات الدينية والثقافية لدى العديد من الشعوب، حيث يرتبط بفكرة التجدد والخصوبة والجمال، وهو ما ينعكس في الطقوس والممارسات المرتبطة به منذ العصور القديمة. في الديانة الإيزيدية، يحتل شهر نيسان مكانة متميزة، إذ يُعدُّ الشهر الأكثر قدسية، حيث يمثل بداية السنة الجديدة وفق التقويم الإيزيدي.
الأهمية التاريخية لشهر نيسان
لطالما كان لشهر نيسان مكانة رمزية في الحضارات القديمة، فقد ارتبط باسمه عدد من الاحتفالات والمناسبات الدينية المختلفة. عند السومريين كان يُعرف باسم “زاكموك”، بينما احتفل به الآشوريون تحت اسم “أكيتو”، وكان البابليون يعتبرونه شهر التجدد والانبعاث. أما الإيزيديون، فيحتفلون برأس السنة الإيزيدية، والتي تُعرف باسم “سري سالي”، حيث يقع هذا العيد في أول يوم أربعاء من شهر نيسان وفق التقويم الشرقي، والذي يتأخر عن التقويم الغربي (الميلادي) بثلاثة عشر يومًا.
القدسية الدينية لشهر نيسان عند الإيزيديين
تنبع قدسية شهر نيسان لدى الإيزيديين من ارتباطه بفكرة ولادة الحياة على الأرض وتجدد الطبيعة. ولذلك، يُحظر في هذا الشهر القيام بأي نشاطات تؤثر على الطبيعة مثل حرث الأرض أو قطع الأشجار أو حفر التربة، إذ يُنظر إلى الأرض في هذه الفترة على أنها “حُبلى”، ما يجعل أي تدخل في نظامها الطبيعي أمرًا غير مقبول. كذلك، يمتنع الإيزيديون عن الزواج خلال هذا الشهر، إذ يُعتقد أن هذا الزمن مخصص لزواج الآلهة، مما يعزز فكرة قدسية هذا الشهر كفترة مباركة.
الرمزية الدينية في شهر نيسان
يرتبط شهر نيسان برمز ديني مقدس في العقيدة الإيزيدية، وهو “طاووس ملك”، الذي يُمثل الخير والبركة وبداية الحياة الجديدة بعد فترة الشتاء والخريف التي تُعبر عن الانحسار والانغلاق. كما يُعتبر “ورد نيسان”، الذي يتفتح في هذا الشهر، رمزًا للطبيعة المتجددة ويُعلق في المنازل تعبيرًا عن الفرح والبركة.
التقويم الإيزيدي وشهر نيسان
يُعتمد التقويم الشرقي في حساب السنة الإيزيدية، حيث يُعتبر شهر نيسان الشهر الأول في السنة، يليه شهر “كولان” (أيار) وبقية الأشهر حتى ينتهي العام بشهر آذار. ووفقًا لهذا التقويم، فإن 14 نيسان الميلادي يتوافق مع الأول من نيسان الإيزيدي، وهو بداية السنة الجديدة.
الاحتفالات والممارسات الطقسية
تشمل احتفالات رأس السنة الإيزيدية مجموعة من الطقوس التي تعكس القيم الروحية لهذا الشهر، مثل إشعال المصابيح في المزارات الدينية، وتوزيع الحلويات، وارتداء الملابس الزاهية اللون التي ترمز إلى الفرح والتجدد. كما يقوم رجال الدين الإيزيديون بزيارة الأماكن المقدسة وإقامة الصلوات والابتهالات طلبًا للخير والبركة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر تقديم الطعام للفقراء وإقامة الولائم من العادات المتبعة خلال هذه الفترة، حيث تعكس هذه الممارسات روح العطاء والتضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإيزيدي. ومن الطقوس البارزة أيضًا، تزيين المنازل بورود نيسان ذات اللون الأحمر، والتي يُعتقد أنها تجلب البركة والسعادة.
الطوافات الدينية في شهر نيسان
من أبرز الممارسات الدينية في شهر نيسان لدى الإيزيديين هي “الطوافات”، وهي زيارات تقام إلى المزارات والمواقع الدينية المقدسة المنتشرة في مختلف المناطق. يتم خلال هذه الطوافات تقديم القرابين والصلوات، ويجتمع الناس لإقامة الطقوس الدينية التي تعزز من الترابط الاجتماعي والروحي بينهم. تُعتبر الطوافات فرصة للتأمل والتعبير عن الامتنان للنعم الإلهية، كما أنها تعكس التقاليد الدينية العريقة التي حافظ عليها الإيزيديون عبر الأجيال.
الخاتمة
يُجسد شهر نيسان لدى الإيزيديين مفهوم التجدد والحياة، حيث تتجلى فيه القيم الدينية والروحية التي تحث على احترام الطبيعة والنظام الكوني. ومن خلال الاحتفالات والممارسات الدينية، يعبّر الإيزيديون عن تقديرهم لهذا الشهر باعتباره زمنًا مقدسًا يحمل في طياته معاني العطاء والخير والتجدد. وكما ورد في النصوص الدينية الإيزيدية:
“أتى شهر نيسان حاملاً معهُ الصخب والضجيج لو أفتح باب الخزائن سأترك الأحد عشر شهراً ورائي”
وبذلك، يظل شهر نيسان رمزًا للبركة والخصب، ويؤكد مكانته كأحد أهم الأشهر في التقويم الإيزيدي.