لالش بين القداسة والصفقات

مقالات : خالد الياس رفو

عندما تتحول الرموز الدينية الروحية إلى صفقات .

من لوحة لفنان مبدع وبريشة تنطق بالواقع يتجلى أمامنا مشهد مرير لم يعد مقبولاً .
من هذا الباب ندخل إلى عمق قضية لابد أن نوقف عندها بجدية لنحولها إلى نقد بناء يكون دافعاً لمراجعة الذات والتوقف عن المضي في طريق قد يقودنا إلى الاصطدام بجدار تنهار فوقه قدسية “مقدّساتنا” .

” لالش النوراني” قلب و روح الديانة الإيزيديّة وملاذها .

لم يكن “معبد لالش” يوماً مجرد مكان جغرافي بل هو رمز مقدس تختزن فيه معاني الطهارة والإيمان والهوية .
هو الوجهة التي يلجأ إليها الأيزيديين منذ قرون بحثاً عن السكينة والتجدد الروحي .
لكن ما يحدث اليوم في لالش يثير أسئلة موجعة حول فقدان هذا البعد الروحي مكانته المقدسة بعدما تحولت الطقوس والعبادات إلى ساحة للتجارة وإبرام صفقات مالية ضخمة .

فالمواسم الدينية التي كان يفترض بها أن تكون فرصة لتعزيز الإيمان ولم شمل المجتمع تحولت اليوم إلى ما يشبه أسواقاً مفتوحة تدار فيها الصفقات والأموال وتستثمر الطقوس وكأنها ” مشاريع ربحية ” .
أموال النذور والتبرعات التي كانت رمزاً للصدق والتقوى ومصدراً لدعم الفقراء والمرضى والمحتاجين لم تعد توظف في خدمة المجتمع بل أصبحت حكراً على قلة من المنتفعين الذين حولوا الرمزية الدينية إلى وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية .

هذه الممارسات السلبية لا تنعكس على الجانب المادي فحسب بل تضرب جوهر القداسة في الصميم .
فعندما يشعر ” المؤمن الأيزيدي ” أن قدسية طقوسه تستغل لتحقيق أرباح ضيقة فإن ثقته بالمؤسسة الدينية نفسها تهتز ومعها مكانة ” لالش ” في الوجدان الجمعي للأيزيديين تنهار .
هنا تكمن الخطورة الحقيقية .. خسارة ” لالش النوراني ” لهيبته الروحية وتحويله في نظر الكثيرين إلى مؤسسة مالية أكثر منه مرجعاً دينياً .

المطلوب اليوم وقفة نقدية مسؤولة تعيد الاعتبار للرمز الديني المقدس قبل أن يفقد معناه .
فالأموال التي تجمع باسم ” لالش النوراني” يجب أن تدار بشفافية كاملة وتوجه بوضوح نحو الفقراء والمحتاجين والناجين من الإبادة الجماعية الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة الألم والحرمان .
إنّ إنقاذ ” لالش” من هذا المسار لا يعني فقط حماية قدسيته بل أيضاً حماية روح مجتمع بأكمله من الانكسار .

لالش يجب أن يبقى رمزاً للروحانية الخالصة لا مزاداً علنياً باسم الدين .

وعليه .. لتجاوز هذه الإشكالية ينبغي التوقف عن أسلوب المزادات في تأجير العتبات الدينية المقدسة واعتماد نظام رواتب ثابتة لسدنة المراقد والمزارات تستقطع من واردات تلك العتبات .
أما المتبقي من هذه الواردات فيجمع في صندوق موحد يخصص لدعم الفقراء والمرضى والمحتاجين والطلاب وذلك عبر لجنة متعددة الأطراف تمثل مختلف مناطق التواجد الأيزيدي ويتم استبدالها سنوياً لضمان الشفافية .
بهذا تتحقق الغاية الجوهرية من هذه الأموال مع الحفاظ على ” لالش النوراني ” كملاذ للسكينة ومصدر للتجدد الروحي .

اللوحة للفنان المبدع كمال حراقي …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى