دراسة حول سر وجود مزار و ينبوع باسم شيخادي (ع) في گلي كرسي – جبل شنكال

مقالات/حيدر عربو اليوسفاني

المقدمة:
تُعتبر منطقة شنكال (سنجار) من أهم المناطق التاريخية والدينية التي عرفت الاستيطان البشري منذ آلاف السنين، وذلك لما تتمتع به من طبيعة جبلية خصبة وموارد مائية مقدسة. وتُعد المزارات والينابيع في جبل شنكال جزءًا من التراث الروحي والثقافي للإيزيديين. يركز هذا البحث على دراسة سر وجود مزار و ينبوع باسم شيخادي (عليه السلام) في گلي كرسي، مع إبراز أبعاد هذا الموقع من الناحيتين التاريخية والدينية.

منهجية البحث:
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي، من خلال تجميع المعلومات التاريخية والدينية المتداولة شفهيًا لدى أهالي شنكال، ومقارنتها مع الدراسات الميدانية المتعلقة بالتراث الإيزيدي. كما يستند إلى المعاينة الميدانية لموقع الينبوع والمزار، وتحليل دلالاتهما الرمزية في الوعي الجمعي لأهالي المنطقة.

العرض والتحليل:
تشير الروايات المتداولة لدى المجتمع الإيزيدي إلى أن الصحابي الجليل شيخادي (عليه السلام) أثناء عودته من بلاد الشام – وتحديدًا من منطقة بعلبك – إلى موطنه الأصلي (لالش النوراني)، اتخذ من جبل شنكال محطة مؤقتة للراحة. كانت وقفته الأولى في وادي كرسي، في الطرف الشمالي الغربي من جبل شنكال، وهو موقع استراتيجي يجمع بين التضاريس الجبلية والمياه الجارية.

وفقًا لهذه الروايات، قام شيخادي (ع) بضرب عصاه المباركة في الأرض بعدما شعر أتباعه بالظمأ، فانفجر منها ينبوع ماءٍ عذب سُمّي لاحقًا بـ (كانيا بير آخايي). يكتسب هذا الينبوع أهمية خاصة لدى الأهالي؛ إذ يُعتقد أنه لا ينضب أبدًا، ويُنظر إليه بوصفه مصدرًا للعلاج والبركة.

التحليل الجغرافي للموقع يُظهر أنه يقع ضمن منطقة غنية بالغطاء النباتي، حيث تُحيط به الأشجار الوارفة والمياه الوفيرة، ما جعله مكانًا سياحيًا ومتنزهًا طبيعيًا يرتاده الأهالي خلال أشهر الصيف.

إضافةً إلى ذلك، توجد في الموقع صخرة طبيعية منحوتة على هيئة كرسي، يُعتقد أن شيخادي (ع) كان يجلس عليها أثناء استراحته، وصخرة أخرى تُعرف باسم “معلف الفرس” يزعم الأهالي أنه كان يربط فرسه عليها. كما يوجد شمالي الينبوع كهف يُعرف بـ “خزينة خرقة”، حيث يحتفظ فيه الفقراء الإيزيديون بخرقتهم المقدسة، ما يضفي على المكان طابعًا روحيًا واجتماعيًا فريدًا.

من الجدير بالذكر، أن هذا الينبوع والموقع المحيط به لعبا دورًا حيويًا في إنقاذ آلاف الأهالي إبان اجتياح تنظيم داعش لمنطقة شنكال في آب 2014، ما عزز من مكانتهما كرمزٍ للصمود والبقاء.

في سنة 1995، بُنيت قبة كبيرة في الموقع ذاته، تكريمًا لذكرى مرور شيخادي (ع) وتأكيدًا على قدسية هذا الوادي لدى أبناء شنكال، ما يعكس استمرار الذاكرة الجماعية في توثيق هذه الرموز الدينية.
الخاتمة:
تُبرز هذه الدراسة أن سر وجود مزار و ينبوع باسم شيخادي (ع) في گلي كرسي يرتبط بعوامل دينية وتاريخية متشابكة. فمن خلال الرموز المقدسة المرتبطة بالمكان، يظهر كيف يساهم هذا الموقع في تعزيز الهوية الدينية للإيزيديين في شنكال، وفي الحفاظ على تراثهم الروحي والإنساني عبر الأجيال.

تؤكد هذه المعطيات على ضرورة الاهتمام بهذا الإرث الثقافي وحمايته من الاندثار، نظرًا لدوره المهم في توثيق الذاكرة الجمعية وصون القيم الروحية والاجتماعية للمجتمع الإيزيدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى