الشمس التي أحرجت دهوك …الأيزيديون بين رفض رموزهم ومصادرة الوجود

مقالات / خالد الياس رفو

الشمس في جوهرها ليست ضوءاً يرى بالعين فحسب بل رمز للحقيقة التي لا يحجبها الغياب .
فهي حين تغيب في الأفق تذكرنا أن النور لا ينطفئ بل يتوارى قليلاً ليعود أقوى .
إنها الدرس الأول في الوجود والاستمرارية أساس الحياة ، والعطاء لا يكتمل إلا إذا كان بلا حدود .
تشرق الشمس على العادل والظالم وعلى القوي والضعيف فهي تعلمنا أن الوجود لا يقاس باللحظة بل بالديمومة وأن كل ظلام مهما طال ليس إلا فاصلة قصيرة في كتاب النور .

ورغم وضوح هذا الدرس ظل الأيزيديين عبر التاريخ ضحية نظرة إقصائية لم تفلح كل محاولاتهم في تغييرها .
فقد سعوا دائماً إلى مد جسور التواصل مع جيرانهم المسلمين بالمشاركة في الصيام وتقديم وجبات الإفطار وحضور المناسبات الاجتماعية والدينية وتقاسم الأفراح والأحزان . لكنهم بقوا في نظر الغالبية أسرى تصنيفات جامدة
” كفار ، مشركون ، أنجاس “
الديانة الأيزيدية في خطاب كثير من رجال الدين والفقهاء ما زالت توصف بأنها ” شرك وكفر ” وأتباعها لا يستحقون سوى التهميش والتحقير والازدراء .

حتى تفاصيل الحياة اليومية لم تسلم من هذا التمييز ، طعام الأيزيدي يعتبر محرماً وخبزه ولبنه وبيضه محرماً والترحم على موتاه محظور ومحرم ومشاركته في أعياده خطيئة .
أما رموزه الدينية فغالباً ما تدان علناً وترفض بشدة .

المفارقة المؤلمة أن أراضي الأيزيديين ونساؤهم وممتلكاتهم وأموالهم اعتبرت عبر التاريخ ” حلالاً ” مستباحاً للنهب والسبي والقتل باسم الدين .
إنها ازدواجية أخلاقية متجذرة تؤكد أن الكراهية ضد الأيزيديين لم تكن يوماً عابرة أو طارئة بل ممنهجة ومنظمة .

وقد تجلى هذا الواقع بوضوح في الحادثة الأخيرة بمدينة دهوك فقد أعلنت إدارة نادي دهوك الرياضي نيتها وضع شعار الشمس على قميص الفريق .
هذه الشمس ليست مجرد رسم جمالي أو شعار عابر بل رمز
” لالش المقدس ” القلب الروحي للديانة الأيزيدية وأحد أعظم رموزها الدينية والوجودية .
كان يمكن لهذه الخطوة أن تفهم كرسالة احترام للتنوع واعتراف بوجود الأيزيديين كجزء أصيل من هوية المدينة لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً .

فما إن طرحت الفكرة حتى ارتفعت أصوات رجال الدين ومعهم عدد من الأهالي واعتبروها ” شركاً وحراماً ” ورأوا في ظهور الرمز على قميص فريق لكرة القدم إهانة لمعتقداتهم . وتحت ضغط هذه الاعتراضات اضطر رئيس النادي إلى التراجع وإلغاء الفكرة وكأن الاعتراف بشمس الأيزيديين ( رمز النور والحياة ) جريمة كبرى لا تغتفر .

هذه الحادثة لم تكن خلافاً رياضياً حول شعار بل مرآة لواقع أعمق وأخطر .
فإذا كان الأيزيديين لا يقبلون حتى على مستوى الرموز ولا يسمح لرمزهم المقدس أن يظهر على قطعة قماش فكيف يمكن الحديث إذن عن مساواتهم في الحقوق .؟!
كيف يمكن الحديث عن ” التعايش ” إذا كان الآخر يرفض حتى مجرد رؤية رموزنا أمامه .؟!

إن ما جرى في دهوك إدانة صريحة لخطاب التعايش الذي تردده القيادات السياسية والدينية في كردستان .
إنه دليل حي على أن التمييز لم ينته وأن ثقافة الكراهية ما زالت تحكم الشارع وتوجه المواقف .
الأيزيديين ما زالوا ينظر إليهم كـ ” آخر ” غير قابل للاندماج مهما أبدوا من انفتاح أو مشاركة في الحياة العامة .

والأخطر أن ما حدث في دهوك ليس حالة معزولة فخطابات الكراهية المتجددة التي يطلقها بعض رجال الدين المتشددين في كردستان مثل ملا عنتر وملا جليل ما زالت تجد آذاناً صاغية وهؤلاء لا يتوقفون عن تكفير الأقليات وتسفيه رموزهم ومعتقداتهم ونشر خطاب يغذي العداء للأيزيديين ويكرس صورة مشوهة عنهم باعتبارهم ” كفاراً ” لا يستحقون الاحترام وهذه الخطابات لا تبقى حبيسة المنابر بل تتحول إلى مواقف جماعية تضغط على مؤسسات المجتمع كما ظهر جلياً في قضية قميص نادي دهوك وشعار الشمس .

لكن الأخطر من الخطاب ذاته هو صمت المؤسسات فالأجهزة الأمنية والإدارية والقضائية غالباً ما تتعامل مع هذه الظواهر بالتجاهل أو التبرير الضمني بينما تواصل القيادات السياسية رفع شعارات ” التعايش ” في الإعلام والمحافل الدولية دون أي خطوات عملية على الأرض .
هذا الصمت يعكس تواطؤاً مقلقاً ويؤكد أن الكراهية ضد الأيزيديين ليست انفعالاً عابراً بل جزء من منظومة راسخة تجد من يحميها أو يتغاضى عنها .

الحقيقة التي ينبغي أن ندركها نحن الأيزيديين هي أن هذه النظرة لن تتغير ما لم نتمسك بهويتنا ونطالب باعتراف حقيقي وصريح بنا كشعب له رموزه ومقدساته وحقوقه . فالشمس التي أحرجت نادي دهوك لم تكشف فقط زيف شعارات التعايش بل فضحت واقعاً مريراً نعيشه يومياً .
نحن الأيزيديين ما زلنا غرباء في وطننا ومهددين في وجودنا ومحرومين من أبسط أشكال الاحترام .

وإذا كان مجرد شعار على قميص قد أثار كل هذه الضجة فماذا عن حقوقنا المسلوبة في الأرض والكرامة والأمان .؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى