((دلالات قدسية شهر اذار عند الايزيديين ))

مقالات / حيدر عربو اليوسفاني
اذار هو ذاك الشهر الذي لا يشبه ايامه بعضها بعضاً شهر تقلب المناخ و عاصف و هادئ و برد دفء و صحو ومطر لا بل شهر طبيعة تناقضات الحياة مجتمعة و مركز انبثاق الحضارة و تفجرها و يعتبر من اكثر الاشهر تحدث فيه تغيرات مناخية و يتميز بعدة عوامل و ميزات تميزه عن غيره من شهور السنة و تتفتح فيه ازهار الربيع و تبتهج الدنيا باسرها لقدوم هذا الشهر بمباهجه ورخيره تعم على البشرية و تشع شمسه الدافئة على المخلوقات و يستبشر الناس بقدومه الخير و بسمحه من التفائل و الامل و الحب والحنان .
وله تناقضات اخرى الى جانب مشتركاته في الطبيعة و دلالاتها و رموزها المستنبطة انه اذار احزان و افراح الكورد و الانسكار و الانتصار و اذار الامل للكورد بفرحه كبرى امل الانعتاق و الحرية انه يأبى ان يخيم الظلام فيه و يسوده ، فنراه يزيح الشهر الاسود و يقطع سواده بتخليص الشمس (مهر – الرحمة) من قبضة الليل (الظلام ) لتسطع الشمس في السماء متلائماً بهياً مشرقاً و معلناً اليوم الجديد في الراحدة والعشرين من اذار ليبدأ اليوم الاول من عيد النوروز يوم راس السنة الارية (الكوردية) الاول من السنة الشمسية الجديدة ليبدأ التقويم الحقيقي للديانة الايزيدية .
و شهر اذار هو النور و الانبعات و مشتق من النار ..و كلمة اذار باللغة الكوردية هو (آفدار ) اي بداية اخضرار الشجر او البرعم و بداية اخضرار الطبيعة و غليان الدم و الهواء الطلق اي الناس يحسون بالحرية .
و افدار يتكون من كلمتين ذات معاني فلسفية ترتبط بالطبيعة و الحياة (آف – تعني ماء ..و دار – تعني الحياة العامرة ) ، وكان يحتضن في لفظة النور و تجسيداته و الانبعات بالماء فلا حياة من دون الماء و لا نماء من دون نور و من هنا كان شهر اذار شهر نمو الحياة .
و حسب ما يذكر في نصوصنا الدينية ان ملك زان يهبط في هذا الشهر من السماء ليغير الطقس و المناخ ، كما ورد في نص ديني:
هەشدەێ ئادارێ
مەلک زان تێتا خوارێ
خەملی سەرێ دارێ
هەتا بیست و چارێ
اي في 18 من اذار سيهبط ملك زان من السماء و يزين روؤس الاشجار و يستمر الى 24 منه ..و هناك نص اخر جاء فيه :
هەشدەێ ئادارێ
مەلک زان دهێتە خوارێ
دەنگ دکەت ل بوهارێ
بمعنى في الثامن عشر من اذار الملك زان سيهبط من السماء ليبشر ببدء الربيع و توضح السبقتين المذكورتين ان الملاك زان هو الذي سوف يهبط من السماء ليبشر ببدء الربيع و اليوم الجديد و اخضرار الارض ، و للتاكيد من ذلك ان بعد عيد خدر الياس حيث هبوط اخر موجة الثلوج من بعدها يبدأ الصراع بين النهار (النور و الحرارة ) و بين الليل (البرد و الظلام ) و يستمر هذا الصراع الى ليلة 20 على 21 من اذار حيث يتعادل المتخاصمان (الليل و النهار ) و هذه الفترة يصادف في يوم 18 من اذار و من ثم ينتصر النهار (النور و الحرارة ) على الليل و بعد 24 من اذار بحيث يطول النهار الذي يليه و ترتفع درجات الحرارة بينما يقصر الليل و ماقبل عيد نوروز الليل اطول من النهار و لكن بعد نوروز كما وصفها اجدادنا الاريين ب (سةرئ بوهارئ) و يطول النهار الى 13 من حزيران ..
و فلكياً ان الدورة السنوية لعلم الابراج الحديث تبتدأ بيوم 21 اذار ..ان برج الحمل من 21 اذار لغاية 19من نيسان و هكذا فاتحة لدورة الابراج الفلكية و دليل واضح على ان واضعوا هذه الحسابات الفلكية هم شعب زراعي بحث و ان بناء حركة الكواكب والنجوم قد استند على تعاقب حركة الفصول السنة و ليس العكس لان اكتشاف الزراعة يسبق ادراك الانسان لمجريات حركة الكواكب و النجوم بزمن كبير .
و من ابرز المناسبات الايزيدية التي تجري خلال هذا الشهر ذات مفاهيم زراعية لا تخلو من معاني فلسفية مازال الايزيديون يمارسونها و من هذه المناسبات هي سفرة اللبنات (سفرا ماستا) حيث تحل هذه المناسبة في الخامس عشر من شهر اذار الشرقي و تستمر الى نهاية شهر نيسان الشرقي تقريباً وهذه المناسبة هي بمثابة اعلان لهم بالتوقف عن تقديم العلف المخزون لماشيتهم لان الاعشاب و الحشائش التي بدأت تظل باخضرارها في الحقول تسد رمق ماشيتهم ،يتخللها مناسبة اخرى وهي مراسيم نقل الحطب (قول كيشان) التي تبدأ في يوم 19 من شهر اذار الشرقي و تستمر لمدة ثلاث ايام و لهذه المناسبة ايضاً ذات مفاهيم فلسفية ترتبط بالطبيعة في شهر اذار المقدس .