رأس السنة الايزيدية وعدم الزواج في نيسان.. نظرة جديدة

مقالات/امين هبابي

قسماً كبيراً من نصوص الأيزيدية المقدسة تشير بمنتهى الوضوح إلى ما حدث في أول اربعاء نيسان الكوني العظيم من بدء شرارة النبض والخلق،وحتى لو تمعنا جيداً في معنى نيسان أو نيشان الاكدي فإنه يشير إلى النبض أو بداية الخلق وهو يمثل الأرقام الأربعة والعناصر الأربعة والمبادئ الأربعة وكل ما يمت بصلة إلى القدسية العظيمة للاربعاء المقدسة في المعرفة الأيزيدية.

ومن جهة ،مثلت قدسية الاربعاء لحظة الخلق الأولى في التجلي لعرش الهيكل الكوني المقدس ( في أول أربعاء نيسان الشرقي وضع الخالق اللوح والكرسي والقلم ) وهي اشارة واضحة للكينونة والوجود وسلطان العلم والنور ، ومن جهة أخرى تمثل تكامل عملية الخلق في المستويات الأربعة للوعي وقدسيتها ، والبعض يعتبر الأربعاء هي اليوم الأول في عملية الخلق وهذا التبرير نسبي بالتأكيد قياساً للحقيقة المطلقة ، فالخلق بدأ قبل ظهور الأيام الدهرية الرمزية في كل العوالم والأبعاد ، لكن تسامي المستويات الأربعة وكمالها أعطى لهذه الجزئية في المعرفة الايزيدية قدسية لها مكانتها العظيمة في الأدب الايزيدي القائم على تفسير العلوم النوعية للسبقات والنصوص المقدسة.(فواز فرحان٬الايزيدية صدى الحضارة٬ط1.دار الكتاب الاول للطباعة والنشر٬كوترسلوه٬ المانيا الاتحادية٬ 2019 .ج8.
2-فواز فرحان٬ الايزيدية حقول المعرفة المقدسة٬ط1.دار الكتاب الأول للطباعة والنشر٬ كوترسلوه٬المانيا الاتحادية٬ج5.)

تمثل قدسية الاربعاء في العلم الايزيدي لحظة الخلق الأولى في الكينونة والوجود٬وهو يوم مقدس لدى الايزيديين تتوقف فيه جميع الأعمال٬ وهو يوم للراحة والتأمل والعبادة.وشهر نيسان في الأيزيدية هو رمز استمرار الحياة والتجدد.ومن اشهر الربيع الجميلة حيث الأرض مكسوة بالنباتات والورود الملونة بأنواعها المختلفة.وبما أن هذا الشهر مقدس ولأن نيسان عروس الأشهر عند الايزيديين فلا تضاهيها عروس٬لا يتزوجون فيه ولا يحرثون أرضاً.اما بخصوص مغزى عدم الزواج في هذا الشهر٬ربما عدت الممارسات الجنسية فيه امتداداً للقوة الاخصابية النائمة التي بدأت تستعيد نشاطاتها و دفعاتها لتعود لسيرتها الأولى.والزواج المقدس هو تأمين لخصب المراعي والماشية٬مثلاً في استراليا يعتقدون لحد الان أن إله الشمس المذكر يهبط من عليائه مرة كل سنة ليحتضن إلهة الأرض المؤنثة.//خليل جندي، الدين الايزيدي.

إذن احتضان إله الشمس مع إلهة الأرض تجعل من الأخيرة حبلى بمئات الأصناف من الحشائش والأعشاب وثمار الأرض لتخرجها خيرات للبشر٬وهذا هو سر تحريم حراثة الأرض٬ وتحريم الزواج عند الأيزيديين في شهر نيسان إذ يقترن بزواج الملائكة(الآلهة)٬ وفي هذا الصدد يقول الأستاذ فواز فرحان: “في نيسان هناك تحولات كونية كبيرة في الفترة الواقعة بين أول نيسان الشرقي الى نهايته يكون هناك تزاوج بين الملائكة في حالات روحية عليا والايزيديون القدماء حرّموا الزواج على البشر في نيسان كي لا يشبّهون أنفسهم بالملائكة وحالات الزواج الروحية التي تحصل في الأعلى” .

وقد كتب بهذا الخصوص سيرغي لازاريف حول عدم الزواج في الربيع وبخاصة شهري آذار ونيسان، يتفق معه كاتب هذه السطور.
فقد عاش الناس خلال عشرات آلاف السنين وفق نظام محدّد. كانوا فى الصيف يأكلون ما يشتهون بشكل طبيعي، ويعيشون حياة مريحة، وفي الخريف يدخرون ما يحتاجونه من طعام للشتاء. لم تكن بعض الحيوانات قادرة على تحمل قساوة
الشتاء، ولذلك كان يتم ذبح بعضها. وفي فصل الخريف كانت تقام الأعراس، والأعياد، وكان يعتبر فصل راحة، وبعد ذلك حلّ الشتاء، وتناقص مخزون الطعام وقلت مظاهر الابتهاج.

أقل كمية طعام كانت في الربيع. في شهر أيار وحزيران بدأ الناس بحراثة الأرض وزراعتها وممارسة نشاطاتهم الزراعية بجد ونشاط. وتحوّل كل من آذار ونيسان بشكل لا إرادي إلى أشهر يتم فيها الانقطاع الداخلي عن الملذات والنعم الأرضية. وبالتالي فإن الدعاء(الصلاة) في هذه الفترة من السنة، كانت أعمق وأكثر ملامسة للحقيقة، كما أن مشاعر الحب الإلهي ترافقت مع أقل قدر ممكن من التعلق الدنيوي. المجهود الجسدي المبذول كان أقل بالمقارنة مع الفترات الأخرى من السنة، وبالتالي فإنّ النفس لم تستنفد قدراتها مع النشاط الجسدي. على العكس من ذلك ازداد إمدادها بالطاقة الإلهية، وبالتالي كانت هناك إمكانية أكبر للتحوّل والرقي ازدادت أيضاً إمكانية تخطي الذنوب والخطايا والتخلص منها .

كما أن أقوى اتصال مع الخَلَف(الابناء ،الاحفاد وابناء الاحفاد)يجري غالباً في الربيع ،بدايته. منذ منتصف شباط حتى منتصف نيسان ،وفي هذه الفترة تكون إمكانية التغير ومساعدة الأبناء والأحفاد عبر أنفسنا كبيرة جداً. لأن المستقبل يصبح مرتبطاً بنا ،ولذلك عملنا الجدّي في هذه الفترة يمكن أن يعطي الكثير من النتائج.
وفي الربيع ،يكون شعور الحب فعالاً في وعينا الباطني، ويمدنا بقدرة جديدة، ويصل إلى الخطط الدقيقة.وعندما تتفتح وتتشكل موجة جديدة من الرغبات ،تجري عملية إعادة بناء في أجهزة جسد الإنسان. وإذا لم يحد الإنسان من رغباته( وبخاصة في الطعام والجنس) فإن بقية الرغبات ستكون بلا حدود أيضاً وستعمل بما يتسبب بالضرر للإنسان، وبالمقابل ستصبح كمية الطاقة أقل. كلما كانت الرغبات أوسع مساحة ،كلما كانت الطاقة فيها أكبر.لأن التجسيد المستمر للرغبات يعني الهدر المستمر لهذه الطاقة.وبموازاة استمرار حياة الإنسان والتعمق بالتوجه نحو الرغبات تنشأ آلية مضادة للتحرر وتخليص الإنسان ممّا هو فيه، إنها المرض والشيخوخة، وتراجع قدرات أجهزة الجسد هي آلية لإنقاذ الروح من التدمير والهلاك، ما يعني أنه بقدر ما سنتقشّف برغباتنا الإنسانية ولا سيما فصل الربيع، وبقدر ما نتعامل بطيبة مع الآخرين ومع أنفسنا، بقدر ما سنساهم بدفع المرض والشيخوخة بعيداً.//

  • سيرغي لازاريف ،سلسلة تشخيص الكارما، دار علاء الدين.
    -سيرغي لازاريف ، انسان المستقبل- تربية روحية للاهل/تشخيص الكارما – نظام الضبط الذاتي الحقلي، دار الخيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى