شهر أيَّار “گولان” في التراث الشنكالي

مقالات: حيدر عربو اليوسفاني
المقدمة
يُعدّ شهر “أيَّار” أو كما يُعرف في اللهجة الكردية بـ”گولان”، من الشهور ذات الرمزية العميقة في التقويم الإيزيدي والتراث الشنكالي. لا يقتصر دوره على كونه مرحلة زراعية مهمة، بل يتعدى ذلك إلى كونه شهرًا زاخرًا بالأمثال الشعبية والممارسات الفلكلورية والدلالات الروحية. يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على مكانة هذا الشهر في تراث منطقة شنكال، وما يحمله من عادات وموروثات شفوية متجذرة.
أولاً: موقع شهر أيَّار في التقويم الإيزيدي
يُعد شهر أيَّار الشهر الثالث في السنة الشمسية بالتقويم الإيزيدي، ويأتي بعد شهري آذار ونيسان. يبدأ من 14 أيار وفقًا للتقويم الميلادي الغربي، وينتهي في 13 حزيران. ويتكون من 31 يومًا، يكتمل فيها فصل الربيع وتبدأ فيها ملامح الصيف بالظهور.
ثانيًا: دلالة الاسم ومعناه
كلمة “گولان” تعني في اللغة الكردية الضياء أو الزهر أو النور، وهي تسمية تعكس طبيعة هذا الشهر، إذ يزدهر فيه الربيع وتتفتح الأزهار وتكتسي الجبال والوديان بالألوان الزاهية. وقد وردت في التراث الشفهي عبارة مشهورة تقول:
“أنا أيَّار، شهر الزهر والورود، صاحب العندليب والبلابل، ودواء لكل الجروح الملتهبة”.
ثالثًا: الأحوال المناخية في شهر أيَّار
تشهد الأيام الأولى من شهر أيار طقسًا متقلبًا، حيث تهطل الأمطار والبرد (الحالوب) بغزارة، وقد وصفها المثل الإيزيدي:
“پیرۆ چونە ئاڤا، دنيا چو لبەر تاڤا”، أي “تهطل الأمطار كما لو أنها تغمر الأرض دفعة واحدة”.
كما يُلاحظ أن الطقس يتحول في النصف الثاني من الشهر من ربيعي معتدل إلى صيفي حار، وهو ما يشير إلى بداية فصل الصيف فلكيًا، ويُصادف ذلك يوم 25 أيار (7 حزيران ميلاديًا)، حين تظهر نجوم “پيرۆ” في شمال السماء.
رابعًا: الممارسات الزراعية والموسمية
يرتبط شهر أيار ارتباطًا وثيقًا بالأنشطة الزراعية، فهو موسم حصاد الشعير، حيث يقول المثل:
“هەكە كەت عيارىێ .. ببرِە وەك خيارى”
أي “في أيار احصد الشعير ولو كان أخضرًا كالخيار”، لأن الشعير يُحصد قبل القمح عادةً بأسبوعين أو أكثر.
كما يُعدّ الشهر موسمًا لزراعة المحاصيل الصيفية مثل البامية والطماطم، ويدل على ذلك المثل:
“هاتى هايڤا گولانێ، دەمێ چاندنا بامى و باجانێ”
أي “جاء شهر أيار، وحان وقت زراعة البامية والطماطة”.
خامسًا: الأمثال الشعبية المرتبطة بأيار
تتنوع الأمثال الشنكالية المرتبطة بهذا الشهر وتعكس معايشة المجتمع للطبيعة ومواسمها، ومنها:
“گولانێ جنكينا داسانىَ”
ويعني “في أيار يعلو صوت المنجل”، دلالة على بدء موسم الحصاد.
“گولانێ توو كەفتنە كولانێ”
أي “في أيار يسقط التوت في الطرقات”، دلالة على نضوج شجرة التوت.
“هندى مەها گولانێ ل ناڤ مەهانە، وەختێ تەرک و گژكانە خودانێت رِەزا دل ب كۆڤانە”
ومعناه “ما دام شهر أيار ضمن الشهور، فإن أصحاب البساتين يخشون البرد والبرد الشديد لأنه يضر بثمارهم”.
سادسًا: المناسبات الدينية والاجتماعية
يحتفل الإيزيديون، خصوصًا من عشيرة الدنا، في أول جمعة من شهر أيار وفق التقويم الإيزيدي بعيد “بوقتار بابا”، وهو من المناسبات الدينية التي تجمع بين البُعد الروحي والاجتماعي.
الخاتمة
يحمل شهر “أيَّار – گولان” في التراث الشنكالي طابعًا مميزًا يتداخل فيه الزمني بالروحي، والزراعي بالفلكلوري. وهو نموذج حي على عمق العلاقة بين الإنسان الإيزيدي والطبيعة، ومصدر غني للموروث الشفهي الذي ينبغي توثيقه ودراسته.