شهر نيسان في الحكم والأمثال الشنكالية – قراءة في الذاكرة الشعبية

مقالات/ حيدر عربة اليوسفاني
مقدمة:
تمثل الأمثال والحكم الشعبية مرآة صادقة تعكس ثقافة المجتمع، ونمط تفكيره، وتجربته مع الحياة والطبيعة. وفي التراث الكردي عامة والشنكالي خاصة، تحظى الشهور بعناية خاصة في الأمثال، لما لها من ارتباط وثيق بالزراعة والطقس والبيئة. ويأتي شهر نيسان في مقدمة هذه الأشهر لما يحمله من دلالات غزيرة تتنوع بين الخير والخصب، والمطر والبهجة، والتغيير المناخي.
أهمية الأمثال الشعبية في الثقافة الشنكالية:
تُعدّ الأمثال الشعبية الكردية تجسيدًا أدبيًا وفنيًا رفيعًا، إذ تتصف بالإيجاز، والجزالة، واللحن العذب، والتصوير البلاغي. وغالبًا ما تخرج من رحم بيئة كردستان بطبيعتها الجغرافية والزراعية، وتعبر عن مختلف جوانب الحياة، من الكرم والشهامة إلى التقلبات الجوية وتأثيرها على الزراعة.
نيسان في الأمثال الشنكالية:
يمثل نيسان بداية التحول الطبيعي من الشتاء إلى الربيع، حيث تتبدل الأحوال الجوية وتظهر ملامح الخصب في الأرض. وتأتي الأمثال لتعكس هذا التحول:
“مطر نيسان تسوى العدة والفدان”: تعبير عن أهمية أمطار نيسان للمزارعين.
“مطرة نيسان جواهر ما إلها أثمان”: في تشبيه بلاغي لقيمة كل قطرة مطر.
“نيسان بلا شتاء، مثل العروس بلا جَلا”: يربط بين بهجة المطر وزينة العروس.
هذه الأمثال تدل على تقدير المجتمع الشنكالي العميق لهذا الشهر، وتعلقه بالأمل الذي يحمله معه للمزارعين.
الطقس والزراعة في نيسان:
نظرًا لأن المجتمع الشنكالي مجتمع زراعي تقليدي، فإن تغيرات الطقس في نيسان لها أثر حاسم على الزراعة، وتنبع الكثير من الأمثال من مراقبة دقيقة للبيئة:
“في نيسان بتصير الدنيا عروس”
“في نيسان اطفي نارك وافتح شبابيك دارك”
كما يُعتقد أن مطر نيسان مفيد لصحة الإنسان والشعر، ومن ذلك:
“مطر نيسان يطول شعر الإنسان”
الطقوس والعادات في نيسان:
تتجلى طقوس مميزة في شهر نيسان مثل طقس “بوكا باراني”، حيث تسير العروس مع شموع مضاءة وسط أغانٍ شعبية وأجواء احتفالية، مما يعكس تقديس هذا الشهر بوصفه “عروسة السنة”. وتفادي الزواج خلاله عند الإيزيديين يعكس مكانة نيسان الخاصة والروحية.
التناقض في الأمثال المناخية:
بعض الأمثال تعكس تناقضات الطقس في نيسان:
“نيسان لسانه فلتان”
“أول النهار وحل وتاليه محل”
هذه الأمثال توضح عدم استقرار الأجواء، وتُظهر كيف كانت التجربة الشعبية وسيلة لفهم العالم والتكيف معه.
خاتمة:
يمثل شهر نيسان محورًا مهمًا في التراث الشعبي الشنكالي، بما يحمله من أمثال تصف الطبيعة والطقس والمجتمع. ويظهر هذا التراث كأداة فعّالة في نقل المعرفة، وتوجيه السلوك، وتكريس القيم الزراعية والبيئية في الذاكرة الجماعية. وما بين أمطار نيسان وزينة العروس، تظل الأمثال الشنكالية شاهدًا على حكمة الأجداد وبلاغة التجربة.