فلسفة عيد الباتزمية ، دلالاته التاريخية و رموزه الدينية و الروحانية
حيدر عربو اليوسفاني
عيد الباتزمية عند الإيزيديين هو أحد الأعياد الدينية المهمة،يُحتفل به كجزء من التقاليد الإيزيدية التي تحمل معانٍ دينية وروحانية عميقة. يرتبط هذا العيد بالتجديد الروحي والاحتفال بالطبيعة ودورة الحياة.
ويتضمن طقوسًا واحتفالات تعبر عن الإيمان الإيزيدي. تشمل هذه الطقوس تقديم النذور و الادعية، وزيارة الأماكن المقدسة، ومشاركة العائلات في الولائم الجماعية. يُعتبر العيد فرصة للتقارب الاجتماعي وتعزيز الروابط بين أفراد المجتمع.
يمثل عيد الباتزمية لدى الإيزيديين مناسبةً للاحتفال بالخير والسلام والتقرب من الله، بالإضافة إلى التعبير عن الامتنان للبركات الإلهية وتجديد العهد الروحي مع الخالق.
(( باتزمى / باتمزى / بيلندا / ميلميلافا جوانا/ گورگه گا /)) وعند تجزءة مصطلح (باتمزي:(با= بيت العبادة، تم = دائماً، زي= ولادة…أي الولادة الدائمة في بيت العبادة )) أصل واحد ومناسبة واحدة تقع جميعها 25/من كانون الاول ولغاية بداية كانون الثاني من السنة الجديدة في كل عام . وليس لها اية علاقة بميلاد المسيح او شيخادي كما ذكرها البعض من الكتاب والباحثين بل تفيد العديد من المصادر بانها ذكرى ولادة (الاله ميثرا) ذات خصوصية اضافة الى العلاقة بالطبيعة وخاصة النار والشمس والملائكة السبع والليل والنهار والزراعة. هذا العيد ( الباتزمي )كان فيه نوع من السرية ولم يسمحوا لغير الأيزدية الاطلاع على كافة مراسيمها
يعود جذور هذا العيد الى ألاف السنين الماضية ويسمى عيد ( طاؤوس الملائكة )او( پيرى ئالى/ پيري ئارى) وهو أحد الصالحين الايزديين قد قام بأحياء هذا العيد بين أبناء عشيرة الجيلكان واوصى مريديه الاستمرار في احياءه ، ويبدء العيد قبل نهاية العام الميلادي بايام ويستمر سبعة ايام . يبدء يوم (جل شو – غسل الملابس ) ويجب على العوائل التي تقوم بأداء مراسيم عيد باتزمي بتنظيف المنزل بالكامل وكذلك غسل الاواني المطبخية والملابس والاغتسال التام لافراد العائلة للتهيء لاستقبال العيد . ويتم الصيام في اليومين التاليين ويمتنعون عن تناول الطعام والشراب من الساعة الخامسة والنصف صباحا” الى الخامسة والنصف مساءا” ، والابتعاد عن المذات النفسية.وفي اليوم الرابع يعلن الأبيار العيد ويجب ان يصادف يوم الاربعاء ( يوم مقدس لدى الايزدية ) . مما يضطر المريدون الكف عن الصيام ( كان المفروض أن يصوموا ثلاث أيام ) ولكن يؤمر البير بألمباشرة بالعيد
ويبدأ في اليوم المقدس ( الأربعاء ) بذبح ثور أو عجل لكل عائلة متمكنة أضافة الى ذبح ماشية بجانب الثور . أي لكل عائلة ذبيحتين أحدهما ثور أو عجل وهذا واجب ، والأخرى ماشية ،يجب أن يكون القربان سالما” من كل عاهة أو مرض او عوق . ويسمى هذا اليوم بيوم الاضاحي او القرابين وبعد ذبح الشاة يجب قطعها الى سبعة قطع فقط ويسمى (پاریێ ملیاكهتا ) اي كل لقمة باسم احد الملائكة السبع الذين يترأسهم طاؤوس ملك. .
اللقمة الأولى : يشمل الساعد الأيمن للشاة المذبوحة / اللقمة الثانية : الرقبة ، أي بين الكتفين /اللقمة الثالثة : الجانب الأيمن من الصدر / اللقمة الرابعة : سبعة عظام من القفص الصدري ، والفخذ الايمن ينقسم الى ثلاثة لقمات وعلى النحو التالي
الفخذ من الاعلى ومعه عظمة (شيخ مند.)
القسم الوسطى من الفخذ الايمن
القسم الاخير من الفخذ الايمن
أضافة الى ذلك يتم عمل نوع من الخبز في نفس يوم الاربعاء ( يوم طاؤوس ملك) ويسمى ال( صوك ) ويخبز على الساج وبواسطة الحطب ،حيث لايجوز أستخدام الغاز او النفط لذلك . يتكون هذا النوع من الخبز من العجين والملح والدهن الحر وينقش عليه رسومات وزخارف على شكل قرص الشمس.
تلتزم كل عائلة بأ شعال فتائل من النار يسمى ب( چراى پيرى ئال ) وخلال سبعة أيام متتالية في أوقات الفجر قبل شروق الشمس وكذلك أثناء الغروب . اناء المشعل مصنوع من الطين ومكورة ووسط ها مرتفع قليلا” لآسناد الفتائل القطنية المشتعلة ، ويوضع الدهن الحر أو زيت الزيتون في تلك الأناء لتستمد تلك الفتائل قوتها من الزيت واستمرارية الأشتعال.
وعند اشعال الفتائل يتم باسم الله والملائكة والصالحين ، مثلا” ينادي صاحب البيت مايلي: هذا الفتيل لـ(الله سبحانه وتعالى) والثاني لـ(طاؤوس ملك.) والثالث لـ( پيرى ئال.) والرابع لـ( الوالدين.) والخامس لـ( الأبن البكر ) ، أي يسمى الفتائل لكافة أفراد العائلة ومحبيهم …..الخ
والخورة رغيف مقدس يتكون من الدقيق والسمسم والبيض والحليب والملح والماء وبمثابة قرص الشمس وتعريب كلمة (خوره ) تعني الشمس باللغة الكردية . ويتم عمل ال (خوره) في دار المجيور وعلى ألأغلب احدألأپيار( پيرى ئال )، يشارك في العجن سبع رجال بألأيادي واحضار ال (خوره ) متصفين بألأخلاق وألأدب ومتدينين لاشائبة عليهم ، وبعد العجن والخلط الجيد ومن ثم يعملونها على شكل قرص الشمس وبقطر حوالي30سم وسمك3سم ويحضر الساج ويشعل تحته النار ومن ثم توضع (خوره )عليها… يقوم هؤلاء الرجال وبالتناوب بأدارة وتحريك ال ( خوره ) على الساج من اليمن الى اليسار بعكس اتجاه الساعة، وهنا لاسمح الله اذا حدث فطر او كسر في ال (خوره ) فسوف يموت رب العائلة او احد افرادها (حسب اعتقادهم) واذا استوت وبنجاح فتدخل البهجة والسرور في قلوب الحاضرين، ولاينام المشاركون السبع حتى الصباح، كما يشاركهم الجميع في اداء ليلة خوره (شه ڤبه رات) . وبعد اكمالها توضع الخوره في مكان بارز ونظيف ويضاف عليها الكشمش ويزورها الناس المعيدين ويأخذ الزائر حبة كشمش من فوقها ويتناولها للتبرك.
وفي مساء الخميس على الجمعة تقوم كل عائلة بحمل ( سبع لقمات من اللحم المطبوخ + سبعة صوك ( نوع من الرغيف ) + سبعة مشاعل من النار + سمات (نوع من الطبخ يتكون من سبع انواع من الحبوب ) + كمية من الكشمش وياخذونها الى دار المجيور الذي فيه الخؤره المصنوعة ، يتم وضع كشمش جميع العوائل على الخؤرة وبعد ذلك يتم أزاحة الكشمش من على الخؤرة ، يتمتم المجيور بعض الكلمات والادعية ويأخذ من كل عائلة لقمة واحدة من اللحم المطبوخ ويأمر باعادة اللقمات المتبقية لغرض تناولها من قبل افراد العوائل والمعيدين وكذلك ياخذ كل فرد من العائلة حفنة من الكشمش ويعيد به الى المنزل وتسمى تلك الحفنة ب( لكمه ) وينادي المجيور باسم صاحب اللكمه ويقول ( هذه لكمه فلان ) مثلا” .
وفي اليوم الخامس من العيد يصادف الخميس على الجمعة يسمى ( شه فبه رات) ويتم الاحتفال الديني في تلك الليلة ولا ينام احد ويتم شوي اللحوم واحضار الماكولات كما يتم الغناء في الديوان واداء الدبكات الشعبية ويقوم رجال الدين بتلاوة القصائد والادعية حتى الصباح .
في ليلة ال( به رات ) التي ذكرناها يتم تشخيص رجل وامراة او رجلين أحدهم يتأخذ دور المراة ويرتدي العجوز ( كالك ) جلد الثور أو العجل وترافقه العروس ويقوم بالهرج والمرج لاسعاد الحاضرين حتى الصباح
كما يتم طبخ پاچة العيد وغزل الخيط المقدس ( باسمباري.)، ففي يوم السادس من العيد والمصادف يوم السبت تقوم النسوة بطبخ الپاچة وتجلسن بجانب النار وتقومن بأبرام لونين من الخيط ( احمر وابيض ) بألة خشبية تسمى ( ته شى ) ، يطلق على الخيط الأحمر بخيط (أيزدانى سور) والخيط الابيض بخيط ( طاؤوس ملك ) وبعد أكماله يتم تقطيع الخيوط وتوزيعه على الناس ويشد تلك الخيوط في ساعد الأطفال أو يوضع في رقبتهم ويحمله الكبار أيضا” ويسمى ب( ته سكه ره) وتعريبها تعني( الهوية) و سبب حمل هذا الخيط هو لأتقاء المرىء من الأمراض والأرواح الشريرة والعيون
وفي الختام يتم تقديم الپاچة المطبوخة ويطلق الأيزديون على تلك الپاچة بـ(شيلانا شيشم ) أي وجبة طعام ( آله الشمس ) يتم تناولها من قبل الجميع في صباح يوم الاحد قبل الشروق ويعلن عن أنتهاء مراسيم العيد .