الجذور التاريخية لعيد خدر الياس في الديانة الإيزيدية: دراسة تحليلية

حيدر عربو اليوسفاني
المقدمة
تمثل الأعياد والمناسبات الدينية عنصرًا جوهريًا في الهويات الثقافية والدينية للمجتمعات، حيث تعكس البعد التاريخي والروحي لهذه المعتقدات. ويعد عيد خدر الياس أحد الأعياد المهمة في الديانة الإيزيدية، حيث يرتبط بأحداث تاريخية تعود إلى ما يقارب 4000 عام قبل الميلاد. يحتفظ الإيزيديون بإحياء هذا العيد سنويًا عبر طقوس وممارسات دينية متميزة، مما يدل على عمق ارتباطه بذاكرتهم الجمعية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الجذور التاريخية لهذا العيد، وتسليط الضوء على رمزيته الدينية والاجتماعية في العقيدة الإيزيدية.
الإطار التاريخي لعيد خدر الياس
وفقًا للتقاليد الشفوية الإيزيدية، والتي تُعرف باسم “علم الصدر”، فإن عيد خدر الياس يستند إلى حادثة تاريخية ذات أبعاد مأساوية. تشير الروايات المتناقلة إلى أن الإيزيديين تعرضوا خلال عهد خدر الياس لهجوم واسع النطاق من قبل جماعات معادية، أسفر عن تدمير منازلهم، ونهب ممتلكاتهم، وقتل العديد من أفراد المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، قام المهاجمون بحرق القرى الإيزيدية بعد خلط كافة محتويات المنازل، بما في ذلك المواد الغذائية، مما أدى إلى فقدانهم مصادر الغذاء الأساسية.
عقب هذا الهجوم، وردت الأنباء إلى خدر الياس، والذي يُصور في التقاليد الإيزيدية على أنه فارس مقدام وقائد شجاع. استجاب هذا القائد للدفاع عن قومه، فقام بحشد قواته ومهاجمة المعتدين، ونجح في طردهم واستعادة الأراضي الإيزيدية بعد معركة دامت عدة أيام. وعند عودة السكان إلى ديارهم، لم يجدوا إلا بقايا الطعام المحترق والمختلط، مما دفعهم إلى تناوله من أجل البقاء على قيد الحياة. وبناءً على ذلك، أصبح تناول “الطعام المختلط” طقسًا دينيًا يرمز إلى صمود الإيزيديين في وجه الكوارث، ويتم إحياؤه خلال عيد خدر الياس.
الممارسات الدينية والطقوس الاحتفالية
يُحتفل بعيد خدر الياس في أول خميس من شهر شباط وفق التقويم الشرقي، ويُسبَق بثلاثة أيام من الصيام، وهي:
اليوم الأول (الاثنين): يُخصص للنبي إلياس
اليوم الثاني (الثلاثاء): يُخصص لخدر
اليوم الثالث (الأربعاء): يُخصص لتحقيق الأمنيات
ويُطلب من جميع الأشخاص الذين يحملون اسم “خدر الياس” الالتزام بالصيام خلال الأيام الثلاثة، بينما يُعد الصيام اختياريًا لعامة الإيزيديين، حيث يصوم معظمهم اليوم الأخير فقط.
الطقوس والممارسات المرتبطة بالعيد
يتميز عيد خدر الياس بمجموعة من الطقوس الفريدة التي تعكس رمزيته الدينية والاجتماعية، من أبرزها:
- الامتناع عن الصيد وذبح الحيوانات:
يُحظر خلال هذا العيد صيد الحيوانات أو ذبحها، حيث يُعتبر هذا الموسم فترة تكاثر الكائنات الحية، مما يعكس ارتباط العيد بمفهوم الحفاظ على البيئة والتوازن الطبيعي. - الامتناع عن السفر لمسافات طويلة:
يُعتقد وفقًا للعقيدة الإيزيدية أن خدر الياس في حالة ترحال خلال هذه الفترة، ولذلك يُفضل الامتناع عن السفر إلى أماكن بعيدة احترامًا لهذه العقيدة. - تحريم قطع الأشجار:
خلال أيام العيد، يُمنع قطع الأشجار أو إلحاق الضرر بها، حيث يُنظر إلى هذه الفترة على أنها مرحلة نمو وتجدد للطبيعة، مما يعكس التقديس الإيزيدي للطبيعة وعناصرها. - إعداد الأطعمة التقليدية:
يعدّ تحضير الأطعمة الخاصة من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد خدر الياس، ومن أبرز هذه الأطعمة:
“بيخوين”: وهو طبق تقليدي يتكون من الحنطة والشعير المحمص والمطحون مع الملح، حيث يتم وضع نموذج منه في مكان مرتفع ونظيف، اعتقادًا بأن خدر الياس قد يزور المنزل ويتذوق منه.
“قلاندوك”: وهو مزيج من سبعة أنواع من الحبوب، مثل الحنطة، الشعير، الحمص، وحب عباد الشمس، ويتم تقديمه في أمسيات الصيام ويوم العيد.
“الجرخوس” (الهريسة): وهو طبق مكوّن من حبوب الحنطة المجروشة مع الحمص، يتم طهيه وتحريكه باستمرار، ويُقدّم صباح يوم العيد.
- الطقوس الاجتماعية والتقاليد المرتبطة بالزواج:
في ليلة العيد، يتجمع الشباب والشابات في أحد البيوت، حيث يتم تحضير رغيف خبز مملح بنسبة 70%، ثم يتم تقسيمه وتناوله. وفقًا للاعتقاد السائد، فإن الشخص الذي يرى في حلمه أنه يشرب الماء في منزل معين، يكون مقدّرًا له أن يتزوج من ذلك البيت، مما يجعل هذا الطقس جزءًا من الممارسات التقليدية للزواج في المجتمع الإيزيدي. - الطقوس المرتبطة بالحماية والشفاء:
تقوم العائلات بقَصّ خصلة صغيرة من شعر أطفالها اعتقادًا بأنها تحميهم من الأذى.
تقوم الأمهات بثَقب آذان أطفالهن حديثي الولادة خلال العيد، حيث يُعتقد أن ذلك يقلل من الألم الناتج عن هذه العملية.
الخاتمة
يُعد عيد خدر الياس من الأعياد الدينية ذات الجذور التاريخية العميقة في الديانة الإيزيدية، حيث يعكس رمزية البقاء والهوية الجماعية للإيزيديين. وتُجسّد الطقوس المرتبطة به مجموعة من القيم الروحية، مثل التضامن، الإيمان، احترام الطبيعة، وإحياء ذكرى النضال التاريخي. كما أن هذا العيد يُمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، مما يعكس مدى استمرار وتأصل التقاليد الإيزيدية في الحياة الدينية والاجتماعية لمعتنقيها.