خض اللبن (مه شك) في التراث الإيزيدي

مقالات/حيدر عربو اليوسفاني

المقدمة

يُعد التراث الشعبي جزءًا أساسيًا من هوية أي مجتمع، حيث يُشكل العادات والتقاليد والممارسات التي تتوارثها الأجيال. ومن بين الشعوب التي تمتلك تراثًا غنيًا الشعب الإيزيدي، الذي حافظ على تقاليده رغم التحديات التاريخية. ومن بين هذه التقاليد “خض اللبن” أو “مه شك”، وهي عملية تقليدية تُمارسها النساء منذ القدم لتحضير مشتقات الحليب باستخدام أدوات مصنوعة يدويًا. يهدف هذا البحث إلى دراسة هذه العادة التراثية، وتحليل أهميتها في المجتمع الإيزيدي، مع التركيز على تقنيات الإنتاج والأدوات المستخدمة ودلالاتها الثقافية والاجتماعية.

أولًا: مفهوم خض اللبن (مه شك)

يُشير مصطلح “مه شك” إلى القربة المصنوعة من جلد الماعز والمستخدمة في عملية خض اللبن لاستخراج الزبدة واللبن الرائب (الشنينة). تعد هذه العملية من أقدم المهن التي كانت تمارسها النساء في المجتمع الإيزيدي، حيث تعتمد على مهارات يدوية وتقنيات طبيعية.

ثانيًا: المواد والأدوات المستخدمة

تتطلب عملية خض اللبن عدة أدوات ومواد، وهي:

  1. القربة (مه شك): تُصنع من جلد الماعز بعد دبغه بطريقة تقليدية.
  2. الخشبة المعلقة (له و له ب): تُستخدم لتعليق القربة أثناء عملية الخض.
  3. الأعمدة الخشبية الثلاثة (سئ بئ): تُشكّل الحامل الذي تُعلق عليه القربة.
  4. الحليب الطازج: يُوضع داخل القربة مع قليل من الماء البارد.

ثالثًا: طريقة إعداد القربة (مه شك)

تمر صناعة القربة بعدة مراحل تشمل:

سلخ جلد الماعز بطريقة خاصة دون إحداث ثقوب.

تنظيف الجلد جيدًا وإضافة الملح والماء وتركه لمدة 15 يومًا حتى يتساقط الشعر.

دبغ الجلد باستخدام نبات “الجفت”، ثم تجفيفه فوق التنور الطيني لمدة خمسة أيام.

رابعًا: طريقة خض اللبن

  1. يتم إدخال الحليب في القربة عبر الفتحة الوحيدة المتبقية.
  2. تُعلق القربة في الخشبة المعلقة، ويبدأ الخض من خلال حركة رجّ متكررة
  3. تستمر العملية لمدة ساعة تقريبًا حتى يتكتل الدهن داخل القربة.
  4. يُستخرج الزبد (روونئ بييز)، فيما يُعرف السائل المتبقي باسم (دؤ) أي الشنينة.

خامسًا: الأبعاد الثقافية والاجتماعية لخض اللبن

تُعتبر هذه العملية أكثر من مجرد تقنية إنتاجية، إذ تحمل أبعادًا ثقافية واجتماعية متعددة، منها:

التواصل الاجتماعي: حيث تترافق عملية خض اللبن مع أغانٍ وأهازيج شعبية تُعبر عن الفرح والعمل الجماعي.

الحفاظ على الهوية التراثية: ما زالت بعض النساء في جبل شنكال يمارسن هذه العادة، مما يُسهم في الحفاظ على التراث الإيزيدي.

الرمزية في الأمثال الشعبية: يُستخدم تعبير “مه شك گه يان” في الأمثال الكردية، حيث يُقال: “ل ئادارئ مه شك يه ل دارئ، نه ل فيرئ، ل به ريا شنگارئ”، في إشارة إلى التغيرات المناخية وتأثيرها على توقيت خض اللبن.

الخاتمة

يُعد خض اللبن (مه شك) من العادات المتجذرة في المجتمع الإيزيدي، حيث يعكس ارتباط الإنسان بالطبيعة من خلال ممارسات مستدامة تُحافظ على التقاليد عبر الأجيال. رغم تطور أساليب الإنتاج الحديثة، لا تزال هذه العادة قائمة بين بعض النساء، ما يجعلها جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية الإيزيدية. لذا، من الضروري توثيق هذه التقاليد لضمان استمرارها للأجيال القادمة.

المراجع

مصادر تاريخية حول التراث الإيزيدي.

مقابلات ميدانية مع نساء من جبل شنكال يمارسن هذه العادة.

دراسات إثنوغرافية حول الصناعات التقليدية في كردستان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى