الأطفال إلايزيديون بين مطرقة اللاعودة وإهمال المجتمع

مقالات/سيف مطو
في الساعات الأولى من فجر الثالث من آب/أغسطس 2014، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية )داعش( هجوماً واسع النطاق على القرى
إلايزيدية، تمهيداً لاقتحامه مدينة سنجار، معقل الايزيديين. أثناء اقتحام قرى مثل كَرزرك، واجه مقاتلو التنظيم مقاومة باسلة من رجال
وشباب إلايزيديين، استخدموا بنادق قديمة تعود لحقبة الحروب السابقة، ما منح عدداً من العائلات فرصة الفرار نحو جبل سنجار.
استخدم التنظيم في الهجوم أسلحة متوسطة وثقيلة، بينها رشاشات BKC، بنادق كالشينكوف، قاذفات RPG، ومدافع دوشكا بأعيرة
14.5 ،12.5 و23 ملم، فيما لم يملك الايزيديون سوى قلة من الأسلحة الخفيفة. وبعد نفاد الذخيرة، اجتاح مقاتلو داعش السواتر
باستخدام مدرعات وهمرات استولوا عليها سابقاً. ووفق شهادة الإرهابي شهاب أحمد علوان، الملقب بـ“أبو ذياب“، وشقيقه نواف، فقد ”تم
دهس السواتر، وإجبار الرجال على انبطاح، ثم تصفيتهم جميعاً“.
مع بزوغ شمس الثالث من آب، سقطت مدينة سنجار، ورفع مقاتلو التنظيم أعالمهم السوداء فوق المدينة والقرى الايزيديةالمحيطة.
العائلات فرت إلى جبل سنجار، حيث نجا البعض، فيما قتل كثيرون في الطريق. ونتيجة للهجوم، قام التنظيم بأسر الآلاف النساء و الأطفال
إلايزيديين.
وفي 15 آب، ارتكب التنظيم مجزرة مروعة في قرية كوجو، أعدم خلالها الرجال وعدداً من الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ودفنهم
في مقابر جماعية بعد رفضهم اعتناق الإسلام. أما النساء والاطفال، فقدُ أخذوا كسبايا وغنائم حرب.
في اليوم التالي، 16 آب، قُتل نحو 90 شخصاً في مقبرة جماعية أخرى، بينهم نساء مسنات اعتبرهن التنظيم ”غير صالحات للسبي“، إلى
جانب أطفال تم إعدامهم بعد فحص عالمات البلوغ الجسدي بطريقة مهينة.
الحقاً، صدرت أوامر من قادة التنظيم، منهم عبد لله قرداش، أبو معتز القرشي، أبو ليث العراقي، وأبو حسين القاضي المعروف بـ“قاضي
الدم“، بتنظيم عمليات السبي. نُقلت النساء الباكرات إلى أماكن خاصة، فيماُ أخذ عدد كبير من الأطفال إلى مدارس في تلعفر لـ“أسلمتهم“،
ثم جُمعوا مجدداً بعوائلهم، قبل أن يتم نقلهم إلى قريتي ”قزيل قيو“ )التي أطلقوا عليها ”القرية الكافرة“( و“كسر محراب“ )التي سُميت
”القرية المسلمة“ بسبب إسالم بعض سكانها(. كانت ”قزيل قيو“ مخصصة للنساء واألطفال فقط.
المقاتلون العرب والأجانب الذين شاركوا في غزوة سنجار حصلوا على النساء كغنائم حرب، وفق مبررات شرعية. بعض النساء
الباكرات حاولن حماية أنفسهن بادعاء أن الأطفال المرافقين لهن هم أبناؤهن. إلا أن التنظيم سرعان ما كشف الأمر، ونقل النساء
والأطفال إلى ”قصر المحافظ“ في مدينة الرقة، حيث أشرف ”أبو عبدلله الجزراوي“ )سعودي الجنسية( على توزيعهم على واليات
التنظيم في سوريا. أنشئت لاحقاً مجموعات على فيسبوك، تلغرام، وواتساب، لتجارة األسرى الايزيديين، وكان من أبرز التجار ”أبو همام
الجزراوي“.
في دفعة لاحقة من عمليات الترحيل من تلعفر، تم فصل الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم السابعة، ونقلهم إلى معهد ”الفاروق الشرعي“ في
بلدة سلوك شمال الرقة، حيث خضعوا لتدريبات بدنية وعسكرية بإشراف ”أبو اسامة الاردني“ و“أبو حمزة البلجيكي“. شملت التدريبات
استخدام الاسلحة، تكتيكات القتال، والدروس العقائدية التي تتضمن الفقه، العقيدة، والأربعين النووية. عوقب األطفال الذين لم يحفظوا
الدروس بوسائل قاسية مثل الضرب، السباحة في مياه الصرف الصحي، أو الوقوف حُفاة على الجليد.
كما نُقل بعض الأطفال إلى جبهات القتال، كقرية المبروكة، وعاشوا حياة ”المرابطين“. ومنهم من انتقل لاحقاً إلى أكاديمية العسكرية في
مدينة الطبقة، حيث جرى توزيعهم على كتائب مختلفة في سوريا، خاصة في حلب، حيث قُتل العديد منهم في المعارك والغارات الجوية،
بينما نُفذت بآخرين عمليات انتحارية أو ”انغماسية“، بناء على وعد التنظيم لهم بـ“اثنتين وسبعين حورية“.
إلى جانب معهد الفاروق،ُأنشئت معسكرات أخرى في حمص، تدمر، حماة، دير الزور، الطبقة، الموصل، وتلعفر. في تلعفر، أنشئ معهد”عبدلله بن عمر“، الذي لعب دوراًكبيراًفي غسل أدمغة الأطفال وتجنيدهم في صفوف ”أشبال الخلافة“.
لم يكن الطفلان ”أسعد“ و“أمجد“ الوحيدين الذين فجّرا نفسيهما. فقد نفذ ”أبو خطاب من صولاغ“ عملية مماثلة، ولقي مصرعهم أيضاً:
”أبو محمد العراقي“ من كوجو، ”أبو عباس“ من تل بنات، ”أبو جمال“ و“أبو عمر“ من خانصور، ”أبو عبد الله “ من صوالغ، ”أبو
هاجر“، ”أبو رقية“، ”أبو مصعب“ من تل قصب، و“أبو بلال“ من تل بنات. وظهر ”أبو فؤاد العراقي“ من كوجو في مقطع مصوَّر وهو
ينفذ إعداماً بمسدس ”Glock“، كما ظهر ”سلمان السنجاري“ في إصدار تابع لـ“والية الخير“ وهو يهدد اإليزيديين ويعدم أحد الأسرى.
علاوة على ذلك، قام التنظيم بتزويج عدد من الأطفال الايزيديين من نساء إيزيديات أو مسلمات. من أبرز الأمثلة على ذلك ”م.ح.م“ من
كوجو، الذي كان في الصف الخامس الابتدائي عند أسره، حيث زُوّج في سوريا وأسس عائلة، ولم يعد حتى الآن.
رغم هزيمة التنظيم، لم يعد العديد من هولاء الاطفال إلى ذويهم. يعود ذلك إلى سببين رئيسيين: الأول هو أن بعضهم أصبح يمتلك
عائلات جديدة، والثاني هو تبنيهم أليديولوجية داعش بعد سنوات من األسر. إضافة إلى ذلك، يُحتمل وجود عدد منهم في سجون ”قسد“
شمال شرقي سوريا. وقد تعرفتُ شخصياً على بعض هؤلاء الاطفال من خلال صور مسربة من داخل السجون.
للأسف، لم يسمع أحد صوت هؤلاء الأطفال. لقد ضاع وسط مشهد يعج بالالمبالا، نتيجة تواطؤ بعض الشخصيات الأيزيدية التي حوّلت
مأساتنا إلى تجارة، وكذلك إهمال المجتمع المحلي والدولي. فمعظم الأطفال الناجين ال يزالون تحت تأثير الفكر الداعشي، ويعانون من
اضطرابات ما بعد الصدمة، دون رعاية أو احتواء. والمؤسف أن الحكومة العراقية، عند إطالق ”قانون الناجيات“، لم تُدرج الطفال
ضمن بنوده، في تجاهل غير إنساني.
كذلك لم تشمل برامج إعادة التوطين الدولية الطفال، ولم يُفتح أي ملف باسمهم، ربما خشيةً من ”خطر أمني“ محتمل بسبب
تدريبهم السابق على السلاح. في حين أن أغلبهم لم يكن يعرف شيئاً عن القتال قبل الأسر.
من هنا، أناشد المجتمع الايزيدي أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً، ببناء برامج متخصصة لدعم ألطفال الناجين من داعش نفسياً و اجتماعياً،
والعمل بالتنسيق مع سجون ”قسد“ لتحرير من تبقى منهم، وتسليط الضوء على معاناتهم، تماماً كما هو الحال مع النساء الناجيات.
فالأطفال أيضاً تعرضوا لالنتهاكات الجسدية والجنسية، ولا يجوز أن يُتركوا في الظل.