غليان سياسي في كردستان: الانتخابات قد تشعل فتيل الأزمة

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق، والمقرر إجراؤها في 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي ، تشهد الساحة السياسية تصعيدًا غير مسبوق بين الأحزاب الكردية، مما يعزز المخاوف من احتمالات حدوث مواجهات خطيرة قد تهدد استقرار الإقليم. و مع انتهاء الحملة الانتخابية وسط أجواء مشحونة، حيث يتنافس المتنافسون على السلطة في انتخابات حاسمة ستحدد مستقبل البرلمان الجديد بعد عامين من تعطيله بقرار من المحكمة الاتحادية في بغداد.

توترات غير مسبوقة بين الأحزاب الكردية

خلال فترة الحملة الانتخابية، تصاعدت الخلافات بين الحزبين الحاكميين على الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسرور البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافيل طالباني، إلى مستويات خطرة. هذه التوترات ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى انتخابات مجلس النواب العراقي في عام 2021، حيث اشتبك الحزبان حول توزيع المناصب في الحكومة الاتحادية ورئاسة الجمهورية. هذا الصراع السياسي العميق انعكس على أجواء الانتخابات داخل الإقليم، ما زاد من حدة التنافس وقد يؤدي إلى اضطرابات غير متوقعة.

حملة عدائية تزيد من مخاطر الانفجار

تميزت الحملة الانتخابية هذه المرة بطابعها العدائي بشكل غير مسبوق، مما أثار قلق الشارع الكردي من احتمالية خروج الأمور عن السيطرة. في محافظات اقليم كردستان، يتصاعد التوتر بين أنصار الحزبين، ما يهدد باندلاع مواجهات خطيرة. وفقًا للكاتب والصحفي عبد الحميد الزيباري، في تصريحاته فإن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها بسبب المشاكل الداخلية المتراكمة بين الحزبين، بما في ذلك الخلافات حول قانون الانتخابات وتقليص عدد مقاعد البرلمان من 111 إلى 100، مما زاد من حدة التوترات.

وكان الحزب الديمقراطي قد أعلن في البداية عدم مشاركته في الانتخابات، متهمًا المحكمة الاتحادية بالانحياز للاتحاد الوطني. لكن بعد تدخل بغداد وإجراء بعض التعديلات على قرارات المحكمة، عاد الحزب الديمقراطي إلى المشاركة في الانتخابات، وهو ما أثار المزيد من الجدل والتوتر في الشارع الكردي.

استياء شعبي من هيمنة عائلة البارزاني

الشعب الكردي في إقليم كردستان يعبر عن استياء متزايد من الوضع السياسي الراهن، حيث يُنظر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة عائلة البارزاني، على أنه يهيمن على المشهد السياسي والاقتصادي للإقليم منذ سنوات. يشعر العديد من المواطنين بأن القرارات السياسية والمصالح الاقتصادية و دمبلوماسية للإقليم باتت محتكرة من قِبل العائلة، مما أدى إلى تهميش الأطراف الأخرى وتعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. هذا الاستياء الشعبي يتزايد بشكل خاص في ظل ما يُعتبر غيابًا للشفافية والمساءلة في مؤسسات الحكم، فضلاً عن تراجع الخدمات الأساسية وارتفاع نسب البطالة.

المواطنون في الإقليم يرون أن الحزب الديمقراطي يعزز قبضته على السلطة من خلال السيطرة على المؤسسات السيادية، مثل الأمن والاقتصاد و غيرها، وهو ما يولد شعورًا بالاحتقان لدى شرائح واسعة من المجتمع التي تعاني من الأوضاع الاقتصادية المتردية. يعتقد كثيرون أن الحزب الديمقراطي يضع مصالحه الحزبية والعائلية فوق مصالح الشعب، مما أدى إلى تراجع الثقة في النظام السياسي القائم.

وبحسب المحللين، فإن هذا الاستياء الشعبي قد يترجم إلى تراجع في شعبية الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال هذه الانتخابات، حيث يتوقع أن يفقد الحزب جزءًا كبيرًا من مقاعده لصالح قوى سياسية أخرى.

مرحلة ما بعد الانتخابات: غموض وتوتر مستمر

منذ تأسيس برلمان كردستان في عام 1992، سيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على معظم الانتخابات، وهو ما يراه خصومه هيمنة تهدد مصالحهم السياسية. المحلل السياسي ياسين طه اشار في تصريح له أن هذه الحملة الانتخابية كانت الأكثر شراسة في تاريخ الإقليم، متوقعًا أن فترة ما بعد الانتخابات ستكون أصعب، مع استمرار التعقيدات السياسية لأكثر من عام. كما يشير إلى أن تشكيل الحكومة المقبلة قد يواجه صعوبات كبيرة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية في العام المقبل، مما قد يزيد من حدة الصراع السياسي في الإقليم.

خريطة سياسية معقدة وصراع على مستقبل الإقليم

في هذه الانتخابات، يتنافس على مقاعد البرلمان الـ100 عدة قوى سياسية رئيسية، من بينها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة الجيل الجديد، إضافة إلى جبهة الشعب التي انشقت عن الاتحاد الوطني بقيادة لاهور شيخ جنكي. هذه الخريطة السياسية المعقدة تجعل من الصعب التنبؤ بالنتائج، وسط توقعات بتصاعد التوترات السياسية في المرحلة المقبلة.

يرى المحللون أن المنافسة الحادة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني هي انعكاس لصراع أعمق حول مستقبل إقليم كردستان، ومساره السياسي خلال السنوات القادمة.

بينما ينتظر الجميع نتائج الانتخابات، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن الأحزاب الكردية من تجاوز خلافاتها الداخلية والتوصل إلى تفاهمات قبل أن تنفجر الأوضاع بشكل لا رجعة فيه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى