نهاية رجل غير شجاع.
يبدو أن معترك السياسة في العراق بات متغيرا ومليئا بالمفاجآت التي تعطينا درسا مهما وهو أن لا شيء ثابت، وتبقى فقط الشعارات التي لن تقدم شيئا أمام الفعل الذي ينبغي أن يأخذ طريقه نحو التطبيق.
هذا ما لمسناه في قرار المحكمة الاتحادية العليا التي قررت إلغاء عضوية رئيس مجلس النواب العراقي محمد ريكان الحلبوسي على خلفية دعاوى وأهمها “التزوير”، والتي كانت مفاجأة صادمة ليست فقط لشخص الحلبوسي بل للجميع، وفي نفس الوقت عبرت عن قوة وتماسك السلطة القضائية وعدم تأثرها بالواقع السياسي. السلطة التي أعطيت للحلبوسي في زمن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وبصورة قوية جعلت منه غير مرغوب فيه في البيئة الاجتماعية الغربية.
هذا التوطيد السريع لسلطته أدى إلى تنفير السنة والشيعة منه، إذ أن القضية التي أدت إلى إقالته من منصبه هي واحدة من عدة قضايا متزامنة مع هذه الإقالة، وسط عدد من المطالبات والمظالم التي رفعها عدد من شيوخ العشائر والسياسيين والنشطاء، جاء فيها أن الحلبوسي وخلال الفترة الماضية سعى إلى بناء إمبراطورية سياسية واقتصادية كبيرة من خلال عمليات التعدي على المال العام واستخدام النفوذ السياسي في تصفية منافسيه وملاحقتهم وإصدار أوامر اعتقال بحقهم.
الملفات التي تلاحق الحلبوسي ومعاونيه كثيرة ولكن أهمها احتكار العقود الحكومية، وتوجيه هذه العقود إلى الشركات المملوكة للأقارب والموالين مقابل رشاوى تمنح لهم، بالإضافة إلى تحويل الأموال المخصصة للمستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي إليهم، وبيع الأراضي المملوكة للدولة بشكل غير قانوني لمستثمرين من القطاع الخاص، واستغلال الأموال المخصصة لإعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية والتي بلغت قيمتها أكثر من 800 مليون دولار.
مجلة “فورين بوليسي” التي سلطت الضوء على هذه التعاملات المشبوهة، وقامت بمراجعة الوثائق كشفت عن تخصيص مبلغ 4.6 مليون دولار لتوفير المركبات لأجهزة الأمن والمخابرات المحلية في الأنبار، بما في ذلك 3.1 مليون دولار لفرع الأنبار من جهاز الأمن الوطني، على الرغم من أن أموال صندوق إعادة الإعمار مخصصة لإعادة إعمار المنازل والجسور والمدارس في الأنبار، وهذا ما انعكس بالفعل من خلال سيطرة ونفوذ الحلبوسي على مقاليد السيطرة والحكم فيها وبدون منازع.
حكومة محمد شياع السوداني شرعت باستعادة الصلاحيات التنفيذية التي استحوذ عليها الحلبوسي من خلال ملاحقة الموالين له وممن اتهموا بملفات فساد كبيرة في المحافظة، بعد أن أطلق مصطفى الكاظمي يد الحلبوسي إثر تشكيل التحالف الثلاثي والذي لم يستطع تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2021. وبعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في إلغاء عضوية الحلبوسي بات على الحكومة الاتحادية ملاحقة جميع التصريحات والتلميحات الإعلامية الداعية إلى رفض قرار المحكمة الاتحادية، وتطبيق القانون على كل من يهدد السلم الأهلي والاستقرار الداخلي للبلاد.