گيسكئ بيرئ (برد العجوزة) وعلاقته بالتغيرات المناخية في الموروث الشعبي الإيزيدي

مقالات /حيدر عربو اليوسفاني
- المقدمة
يُعَدّ الموروث الشعبي انعكاسًا لتجارب المجتمعات البشرية في تفسير الظواهر الطبيعية والمناخية بأسلوب سردي، يمزج بين المعرفة البيئية والأساطير المتوارثة. يُشكّل هذا الموروث جزءًا من الهوية الثقافية الإيزيدية، حيث احتفظت الذاكرة الشعبية بقصص وأمثال ذات صلة بالتغيرات الموسمية، ومنها قصة “گيسكئ بيرئ” أو “برد العجوزة”. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على العلاقة بين هذه القصة والظروف المناخية التي تحدث في أواخر فصل الشتاء وبداية الربيع، مع تحليل دلالاتها وتأثيراتها على المجتمع الزراعي في منطقة شنگال.
- العلاقة بين گيسكئ بيرئ والتغيرات المناخية
تُشير “گيسكئ بيرئ” إلى فترة انتقالية بين الشتاء والربيع، تمتد بين أواخر شهر شباط وأوائل شهر آذار، حيث يتميز الطقس بتغيرات مفاجئة. غالبًا ما تُسبق هذه الفترة بارتفاع طفيف في درجات الحرارة، مما يوهم السكان بانتهاء الشتاء، قبل أن تعود موجة برد مصحوبة برياح شمالية أو شمالية شرقية، محملة بالغبار والأتربة. تتسبب هذه التغيرات في انخفاض درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة، ما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الزراعة والثروة الحيوانية، إضافة إلى انعكاساتها الصحية على الأطفال وكبار السن.
- القصة الشعبية لـ “گيسكئ بيرئ”
تحكي القصة أن عجوزًا شعرت بدفء مؤقت في أواخر شهر شباط، فظنت أن الشتاء قد انتهى، خاصة بعد أن رأت الطائر المعروف بـ “ويت ويتاني” يبني عشه استعدادًا لموسم التكاثر. بناءً على هذا الظن، قامت بجزّ شعرات ثلاثة من جديانها (گيسكئ) لاستخدامها في الغزل والحياكة، معتقدة أن البرد قد انتهى ولن يعود. عندها، تلفظت العجوز بكلمات استهزاء بشهر شباط، قائلة إن الشتاء لم يؤثر عليها ولم يأخذ منها شيئًا.
شعر شهر شباط بالإهانة، فطلب من شهر آذار أن يُعيره ثلاثة أيام ليجتمع مع أربعة أيام من آخره، بهدف الانتقام من العجوز. خلال هذه الأيام، اشتدت البرودة وهطلت الأمطار بغزارة، مما تسبب في سيول جرفت جديان العجوز الثلاثة واحدًا تلو الآخر. عندها أدركت العجوز خطأ تقديرها، وبدأت بالصراخ حزنًا على خسارتها. كما وجدت عش الطائر مدمّرًا، مما أكد لها أن الطبيعة لا يمكن التنبؤ بها بسهولة.
- الدلالات المناخية والثقافية
تمثل هذه القصة تفسيرًا شعبيًا لظاهرة “عودة البرد” في نهاية الشتاء، وهي ظاهرة معروفة في المناخات المعتدلة حيث تعود موجة برد أخيرة بعد فترة دفء مؤقتة. ومن الناحية الثقافية، تعكس هذه القصة عدة دلالات:
الحكمة في التعامل مع تقلبات الطبيعة: تحذّر القصة من الاندفاع في الأحكام المتعلقة بتغيرات الطقس، وتؤكد ضرورة انتظار الاستقرار الحقيقي للمواسم.
أهمية المعرفة التقليدية: رغم التطور العلمي، ما زالت المجتمعات الريفية تعتمد على الموروث الشعبي في التنبؤ بالتغيرات الجوية، مما يؤكد على أهمية تكامل المعرفة التقليدية مع العلوم الحديثة.
التأثير على الزراعة والثروة الحيوانية: تشكل هذه الفترة تحديًا للمزارعين، إذ قد يؤدي البرد المتأخر إلى تلف المحاصيل المبكرة ونفوق المواشي الضعيفة، مما يفسر اهتمام المجتمع الزراعي بهذه القصة وأمثالها.
و للايام ١،٢،٣من اذار يعتبر موسم كيسكي بيري حسي التقويم الايزيدي .
- الخاتمة
تعكس “گيسكئ بيرئ” ارتباط الموروث الشعبي الإيزيدي بالتغيرات المناخية التي تؤثر على حياة الناس. رغم تطور علوم الأرصاد الجوية، لا تزال هذه القصص تحمل قيمة تعليمية وثقافية، تسهم في فهم العلاقة بين الإنسان والطبيعة. إن دراسة مثل هذه الحكايات تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي وتوثيق الذاكرة الشعبية، مما يعزز فهمنا للطرق التي اعتمدتها المجتمعات التقليدية في التكيّف مع بيئتها.